التنزّه على حافة الهاوية،من كوبا إلى أوكرانيا
غادة المرّ – جريدة النهار
اللبنانيون الجدد
أليوم ،نتابع في الأزمة الأوكرانية مشهداً مطابقاً للأزمة الكوبيّة في السّتينات، حين حبس العالم أنفاسه. ثوانٍ وكادت كبسة زرّ ، تفصله عن نشوب حرب نوويّة.
لكنّ المزاج العالميّ لا يصدّق أن حرباً نوويّة ستقع. فسياسة حافة الهاوية، هي تكتيك أميركيّ جرى اعتماده في الحرب الباردة والمواجهات وتمرير الرسائل في ذاك الوقت بين موسكو وواشنطن.
في عام 1962 حين اكتشفت طائرة تجسسّ أميركيّة مزوّدة بكاميرا متطوّرة ،القاعدة والصواريخ البالستيّة والغوّاصات المحمّلة ب 137 رأس نوويّ، والتّي تهدّد المدن الأميركيّة، ردّاً على نشر واشنطن صواريخ بالستيّة في ازمير بتركيا وفي إيطاليا .حاصر الأسطول الأميركيّ البحريّ الغوّاصات الرّوسيّة وأجبرها على الصعود إلى السطح .وكانت مهمتها حماية القاعدة العسكريّة الرَوسيّة في كوبا من أي ضربة من الحلف الأطلسيّ.
في ذاك الوقت كان إجتماع يحصل بين الرئيس الأميركي جون كيندي والرّئيس الروسيّ خوربتشوف.
بعد أن وضعا العالم وجنودهما عند حافة الهاوية ،قرّر جون كيندي سحب الصّواريخ النّوويّة من تركيا وإيطاليا،مقابل أن يسحب خوربتشوف صواريخه المنصوبة في كوبا بعد تفكيكها وإعادتها إلى روسيا .
العالم اليوم ،أيضاً،يقف على وجه حرب جديدة.حرب سياسيّة،تتحالف الأطراف ،وتُفتح الدّفاتر القديمة مع إختلاف الأماكن والأسماء.
من منّا لم يتساءل ،لماذا أوكرانيا؟ وما الّذي أغضب صاحب الكرملين ودفعه لقرع طبول الحرب وحشد قواته والتهديد باجتياحها؟
في ثمانينات القرن الماضي،وبعد نشوب وانتهاء الحرب العالميّة الثانية، انقسم العالم إلى معسكرين:
المعسكر الغربي أو الحلف الأطلسي (Neto)الّذي يضمّ كلّ من ،فرنسا، بريطانيا، كندا، المانيا والولايات المتّحدة الأميركيّة.
المعسكر الشرقيّ أو حلف وارسو (warsaw) ويضم الإتحاد السّوفياتيّ وكلّ الدول المتحالفة معه.
حلف الناتو يمتلك الأسلحة المتطوّرةوالعتاد والترسانة الحربيّة الهائلة، ما يمنحه قوة قيادة العالم.
حلف وارسو، طرأت عليه تغيرات جذريّة. ففي عام 1991،إنهار فيه الإتحاد السّوفياتيّ وتفككّ بشكل نهائيّ ، تاركاً 15 دولة تنفصل وتستقلّ عما يعرف اليوم بروسيا. تلك الدول كانت تجتمع تحت الراية الحمراء ونفوذ الكرملين. روسيا باتت مفككة وضعيفة أمام قوة تحالف الحلف الأطلسيّ Neto.
المعسكر الشرقيّ اليوم يضمّ روسيا والصّين وإيران ودول الممانعة الّتي تسير في خطّهم السياسيّ ضد الغرب. مع عدم نسيان الدّور الإسرائيليّ في اللعبة السياسيّة والعسكريّة وخاصة في الشرق .
لذلك عمدت روسيا لعقد إتفاقيات مشتركة دفاعيّة ،إقتصاديّة وتجاريّة لدعم وجودها وقوتها بعد الإنهيار وتفكّك الدّول الّتي كانت تدور في فلكها وتسيطر على ثرواتها .
أوكرانيا اليوم تتصدّر الأخبار العالميّة ،هي إحدى الدّول الّتي انفصلت عن الإتحاد السّوفياتي ، وأعلنت رغبتها في الانضمام إلى الحلف الأطلسي.(Neto). وقد سبقتها بذلك بعض الدَول وأشهرها : إستونيا وليتوانيا. أوكرانيا تقع على الحدود الروسيّة.
إستغلّ الحلف الأطلسيّ هذا التفكّك وعزم على تعزيز قوته وبسط نفوذه في تلك الدّول المنفصلة حديثاً،لبسط حصاره حول روسيا. ما أشعرها بالخطر الكبير.
جورجيا وأوكرانيا خط أحمر لدى الرّوس. حين أعلنت جورجيا عن رغبتها بالانضمام الى حلف الناتو ، دخلت القوات الرّوسيّة جورجيا واحتلَت منطقة أبخازيا واستونيا الاستراتجية ومنعت تلك المحاولة بالقوة. وأرسلت بذلك موسكو رسالة للغرب أنّها لن تسمح بمحاصرتها والاقتراب ومن حدودها.
وضمّت بعدها آنذاك ، شبه جزيرة القرم الاوكرنيّة المطلّة على البحر الأسود.
في عام 2014 ،قامت الثورة البرتقاليّة وقمعتها السّلطة الموالية للنفوذ الرّوسيّ.وسط غضب عالمي واسع. والجدير بالذكر أن روسيا قامت بدعم الحركة الانفصالية في مقاطعتين شرق أوكرانيا الداعية للعودة للحكم الرَوسي.، وتزويدها بالدعم المادّي والعسكريّ . وقد عقدت قمة فيسك في محاولة لإنهاء النزاع والتدخّل الروسي في أوكرانيا.لكنّها لم تؤتي بالنتيجة المرجوّة.
لنعد إلى السنة الحاليّة 2022. مرّ وقت من الهدوء والسّلام بين المعسكرين. ولن ننسى بروز نجم الصين ودخولها الصراع وتشكيلها قوة لا يستهان بها على الأرض وفي التحالفات والحرب الباردة.
حين طالبت أوكرانيا الانضمام إلى حلف الناتو، رحّبت أوروبا واميركا بالخطوة وقاموا بتزويدها بالعتاد والأسلحة القتاليّة والصَواريخ لمواجهة الرّوس. عمد بوتين لحشد جيش يتجاوز 120 ألف مقاتل على الحدود الغربيَة،ليشّل أي تحرّك وتدخّل أوروبيّ مرتقب. كذلك عمدت أوكرانيا لحشد جيشها ودخلت حالة الحرب وتهيّات لاجتياح روسيّ وشيك.
ما يحصل اليوم ، يحبس الأنفاس. لكن التدخّل الاوروبي مكبّل وأوروبا تعيش هاجس أن تفقد نصف إمدادات الغاز الّتي تأتيها من روسيا. وتلك الأخيرة ،نسجت علاقات مع تركيا لمنعها من السماح بالغاز الخليجيّ للمرور إلى أوروبا.
وعمدت لمدَ خط أنابيب للغاز بينها وبين ألمانيا لتمنحها حاجتها من الغاز. فموقف ألمانيا في الوسط، أرضت الروس واكتفت بتزويد الجيش الأوكراني بالخوذ العسكريّة فقط،تحت حجة رفض البرلمان الألماني تصدير السَلاح للخارج.
أوكرانيا اليوم وسط تنازع غربيّ وروسيّ عليها ليس فقط لموقعها الجغرافيَ على الحدود الرَوسيَة فقط، بل لأنها دولة صناعيّة وزراعيَة ومصدر هائل للموارد الطبيعيّة والمعادن والحديد الزنك والمنغنيز والتيتانيوم والطّين والفحم والزئبق الخام والصخر وتضم أكبر مصانع قاذفات الصواريخ والتيتانيوم والمواد المركزة والخام .
وهي من اهم الدول في المساحة الزراعية والتي تضم التربة السّوداء وتنتج وتصدّر الشعير والنحل وزيت دوار الشّمس والقمح والبطاطا والذرة.
وهي تمتلك أكبر شبكة سكك حديديّة وهي ثالث دولة أوروبيَة من حيث القدرة المثبتة لمحطّات الطاقة النوويّة وتنتج أهم المعدّات لتحديد المواقع وتعد من أهم الدّول المصَدرة لمنتجات الصَناعة الدّفاعيَة والمنتجة للصلب في العالم . أوكرانيا تمتلك ثروات طبيعيَة ومعادن هائلة واحتياطي مهم لكل المعادن والمواد الخام والغاز. وهي قادرة على تأمين الاكتفاء الغذائيّ ل 600 مليون فرد.
إنّها حرب الثروات والنّفوذ والغاز والمعادن وتقاسم قالب الجبنة .
صراع لم ولن ينتهي في تاريخ البشريّة وقاموس الحّكام وجنون العظمة والنفوذ والهيمنة. وحدها الشّعوب والناس تدفع الأثمان من أرواحها وممتلكاتها وأموالها وأمنها ، أثماناً باهظة يدفعها الأفراد والجنود البسطاء والأبرياء في لعبة الدّول والقادة المهووسين بالسلطة والمال والنفوذ.
التاريخ يعيد نفسه. اقرؤا التاريخ تعرفون ما يدور حول العالم وتعرفون الدّوافع والأسباب والنهايات الحزينة.فمن ينقذ العالم والبشر من جنون القادة وحروبهم العبثيّة؟
رابط المقال على صفحة جريدة النهار إضغط هنا
***************