بيروت، يا ثورة ألكسندرا، إخلعي زعماء الغبار !

 

“بيروت، يا ثورة ألكسندرا، إخلعي زعماء الغبار !”
نعمت كريدلي
اللبنانيون الجدد
كانت تود بيروت قضاء عصرونية ٤ آب ٢٠٢٠ مع أحاديث فناجين القهوة والشاي على مرفأ لطالما ظن أنه ملجأ ومنارة للسفن التائهة. لكن في ومضة غبار ورمشة ثوار انصهرت الأحاديث مع شظايا الفناجين، فصمتت ثم صرخت: ” الفساد بهيئة انفجار!”
ماذا كان يتوقع اللبنانيون بعد أربعين عاماً من حرب أهلية وقصص بطولية وهمية وتقاذف الاتهامات على شكل أحجية طائفية؟! ماذا كان يتوقع اللبنانيون بعد مناكفات سياسية لا تغني ولا تسمن من جوع، بعد حروب دموية دفع ثمنها الشعب اللبناني بعملة خضراء أيبست براعمه وأفرغت موانئه من ذخيرة الفكر واحتياطي استقلالية القرار؟! فالعجب ليس من حدوث الانفجار، إنما من تأخر وصوله لأنه نتيجة متوقعة لفساد انفجر كل يوم في أروقة المؤسسات العامة والدوائر الرسمية، لنهب انفجر مع كل صفقة محاصصة للمال العام، لفتنة انفجرت مع كل خطاب يشد العصب الطائفي ويعد بحماية حقوق الطائفة ويحذرها من خطر حقوق الإنسان!
لقد آن الأوان أن يدرك اللبنانيون أن أصواتهم التي تبرؤوا منها ورموها على عتبة ميتم الاقتراع من أجل مئة دولار ( أي ١٥٠ ألف ليرة لبنانية في ذلك الوقت، ما يساوي ١٥ دولار أمريكي الآن) أو من أجل كرتونة إعاشة أو لإرضاء الغبار الماكث على حذاء الزعيم، عليهم أن يفهموا جيدا أن هذه الأصوات شردت ولم يضعها أحد في ملجأ أو ميتم. فما كان منها إلا التسكع في عتمة الإهراءات والصمت بحسرة انفجرت نتيجة تكدس تلك الأصوات اليتيمة.
هل تذكرون الغبار المتفرعن على رفوف المحاكم التي تعج بقضايا الناس العالقة؟! هل تذكرون ذلك الغبار المدلل من قبل موظفي القطاع العام بين ملفات الضمان الاجتماعي المتعفنة ودهاليز تثبيت الناجحين في مجلس الخدمة المدنية؟! هل تذكرون ذلك الغبار المحظوظ الذي احتكر السدود الفاشلة وجعل منها ملاعب ومدرجات لعبثيته الممنهجة؟! نعم، لا بد أنكم تذكرونه جيدا؛ فهو لا زال هناك لكنه وخلال فترة نقاهته التي امتدت أكثر من أربعة عقود سئم اللعب والتسكع والعبثية وقرر بناء أسرة تشعره بالاستقرار والاستمرار. فما كان من الغبار إلا أن يزوج ذراته اللامتناهية لأبناء الصفقات، أصحاب النسب والحسب. وشاءت الصدف المخطط لها أن تلتقي ذرات الغبار بفرسان نيترات الأمونيوم؛ وعند اللقاء انفجرت بيروت بكاءا لأنها غير راضية على نكاح المحارم!
لكنني أعدك يا بيروت، يا ثورة ألكسندرا، أن أحول غبارك إلى تربة خصبة لا تنبت فيها إلا الانجازات والحضارة، ولا يتفرع من أغصانها إلا المطارات والسكك الحديدية والمرافئ الخالية من غبار زعماء المافيا السياسية. أعدك يا أميرتي المنكوبة ألا يسمع في سمائك إلا صوت المفرقعات النارية احتفالا بنصر الثورة في الحرب ضد الانفجار.
أعلم أن أرواح اللبنانيين هائمة تحثنا على الانتقام من منظومة فساد أتقنت فن تكنيس الغبار أمام الكاميرا ثم تكديسه تحت السجاد الأحمر. وأعلم أن آلام الجرحى تنفجر مع كل صرخة عوز للاستشفاء وأن تشرد الآلاف من اللبنانيين أثقل كاهل الطفولة وجعل من الغربة وجبة يتناولها الشعب مع كل شروق وعند كل غروب. لكنك يا بيروت ستنفجرين هذه المرة ثورة وعنفوانا في وجه طغاة لبنان،؛ عندئذ ستنثرين ذلك الغبار الذهبي على أرض الوطن ليضيء حلكة دروبنا ويبني من الحطام مرفأ لمركبنا التائه!

 

تجده على الـ facebook

شاهد أيضاً

مقابلة محمد البخيتي مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني رانيا عبد الخالق

مقابلة محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني …