لماذا لا نثور؟

لماذا لا نثور؟

عذراً، لا وقت لدينا. نحن كشعبٍ لُبنانيّ، منهمكون للغاية. لا وقت لدينا للتفكير حتى، فكيف يكون لنا وقت للثورة؟ اللُبنانيّ محكوم ببرنامجٍ يوميٍّ لا يمكنه الاستعاضة عنه أبداً. نعم، نحن منهمكون، لكن ليس بالعمل، نحن منهمكون في تطبيق البرنامج اليوميّ بحذافيره. فإن كان ينتابكم الفضول حول يوميّات المواطن اللبناني، سأفصّل لكم ما يقوم به، بندًا بندًا.

يستيقظ المواطن اللبناني كل يوم، بعد نومٍ قلقٍ لم يفِ بالغرض. يرتشف فنجان قهوته لعلها تمحو أثار الإرهاق على وجهه. لا يفكّر إلّا بالمحطة الاولى من برنامجه، فيهرع مستعجلًا للخروج من المنزل. يتوجّه اللبناني أولًا نحو المصرف الذي يزوره كلّ يوم من دون استثناء. هذا المصرف ذاته الذي ائتمنه على أمواله، بات يرتاب زيارته، لأنّه بات مكاناً يتسوّل فيه البعض المتبقي من أمواله. يقف في الصفّ، ينتظر أن يناديه الموظّف ليقدم له بعض الاوراق النقديّة التي تفقد قيمتها في كل دقيقة، فينظر إلى جنى عمره ينزلق كالمياه بين أصابعه، وهو عاجز عن فعل أي شيء.

بعد تسوُّل امواله، يُسرع اللبناني نحو متجر المواد الغذائية ليشتري حاجاته من البضاعة المدعومة قبل أن تتبخّر، وبعض الخضار واللحوم، إذا سمحت له الاموال التي تسوّلها من المصرف بشرائها. يذهب من متجرٍ إلى آخر بحثًا عن حاجات أطفاله، دون فائدة.

من المتجر، يهرع اللبناني فورًا نحو الصيدليّة ولكن عبثاً، الدواء مقطوع، هذا ما قالوه البارحة أيضاً، لكن لا بأس، سيعود غداً على أمل أن يجد ما يحتاجه للبقاء على قيد الحياة. قبل العودة إلى المنزل، محطة أخيرة في انتظار اللُبنانيّ: محطة الوقود حيث سيقف أيضًا في الصفّ، ليتسوّل ليس المال هذه المَرَّة، بل بعض الوقود ليستطيع القيام بهذا البرنامج غدًا، مُجددًا.

يعود اللُبنانيّ الى المنزل بعد إتمام البرنامج بحذافيره، فلا يستطيع أن يغض النظر عن أي محطة فيه، لأنه يعيش ظروفًا قاسية، لا مكان فيها للتأسف على شيء. إن كنتم تسألون متى يذهب اللُبنانيّ إلى العمل، الجواب بسيط، لم يبقَ عمل في لبنان. لكن البرنامج لم ينتهِ هنا، يجلس اللُبناني ليشاهد التلفاز، ليعلم ما المصيبة الجديدة التي تسبب بها زعمائه، يشاهد التلفاز ليعلم إن كانت محطة من يومياته تغيّرت، أو إن كان بلده لا يزال يتدهور أو أنه قد وصل أخيراً إلى القعرِ. في ذهن اللُبنانيّ، أن تموت دفعة واحدة أفضل بكثير من أن تسير نحو الموت، كالمحكوم بالإعدام من دون أن تعلم موعد تنفيذ الحكم. عند انتهاء هذا اليوم الفظيع يضع اللُبنانيّ رأسه على الوسادة، ولا يحلم بشيء، لا ينتظر سوى أن يتكرر البرنامج غداً وبعده، من دون زيادةٍ أو نقصان.

بعد هذا التفصيل المُمل ليوميّات اللُبنانيّ، إن كنتم لازلتم تسألون لماذا لا نثور، هل بقيَ لنا وقت لنثور فيه؟ هل بين ازدحام مهامنا اليوميّة يبقى لنا وقت لنفكر بالثورة؟ متى نثور وقد أصبحنا مبرمجين على الذهاب الى المصرف ومتجر الأغذية والصيدليّة ومحطة الوقود. من ينتظرنا إن لم نأتِ على الموعد أو إن تجاوزنا محطة من البرنامج اليوميّ؟

نعم، هذه يوميّات المواطن اللُبنانيّ، الذي لم يعد يريد شيئًا سوى أن يشبع أولاده، وأن يبقي لهم سقفًا ينامون تحته.

اعذرونا، هكذا فعلوا بنا، نظَّموا حياتنا رغماً عنّا، فسرقونا، وقتلونا، فجّرونا وبرمجونا كي لا يبقَ لنا وقت للثورة.

فهل من أحد يثورُ عنّا؟

سيندي فرحات

 

شاهد أيضاً

مقابلة محمد البخيتي مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني رانيا عبد الخالق

مقابلة محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني …