متى يشفى اللبنانيون من العصاب الطائفي؟!

 

” متى يشفى اللبنانيون من العصاب الطائفي؟!”
نعمت كريدلي
اللبنانيون الجدد

عندما كنا صغارا، كنا نحلم.كنا نحلم بقطار سريع وسكة حديدية ومحطة لانتظار القطار. كنا نحلم باستمرارية التيار الكهربائي حتى نتمكن من إنهاء واجباتنا الدراسية ونضع الشموع جانبا لأعياد الميلاد. عندما كنا صغارا، كنا نحلم بالتنزه في شمال لبنان وجنوبه، في جبله وسهله، في داخله وساحله من دون أن تتغير ألوان الوجوه ومعالمها كلما أجبنا عن سؤال: “من أي منطقة أنتم؟”.عندما كنا صغارا، كنا نحلم بوجود محميات طبيعية وحدائق عامة تسكنها الأشجار والأفكار؛ محميات تجعل الإنسان ينحني أمام رهبة التوازن البيئي .عندما كنا صغارا، كنا نحلم بأنهار خالية من جراثيم السياسة وبحر معطاء يغرق كل من يحاول تملكه ويغدق مزاجا جيدا على كل من يشاركه الرقص مع الأمواج.

أما اليوم فلم نعد نحلم. لقد وضعنا أهدافا وطنية ولبسنا جعبة المحارب وامتطينا جياد النضال ومضينا في طريق الثورة إلى الحرية والعدالة الاجتماعية.لم نعد نحلم بالانتظار في محطة القطار، بل بدأنا برسم السكة الصحيحة التي ستنجب قطارا يوصل شمالنا بجنوبنا من دون تطاير دخان ذلك السؤال الملعون عن هوية الركاب. لم نعد نحلم باستمرارية التيار الكهربائي، بل عزمنا على إنتاج طاقته من المصدر واغتيال أي محاولة لتدنيس بحرنا ببواخر مشبوهة. لم نعد نحلم بقصص المحميات الطبيعية وخيال أسطورة الحدائق العامة، بل قررنا غرس الربيع في العقليات الخريفية والإيديولوجيا الجليدية والمستوطنات الحزبية المتحجرة. لم نعد نحلم بنظافة الشوارع والأنهار وابتلاع البحر للتجار، بل بدأنا بحملة تنظيف شاطئ الأفكار من التبعية العمياء للجراثيم “السيادينية” وغرس قنبلة فكرية في كل رقعة احتلها التعصب واغتصبها التزمت لتنفجر اقتصادا إنتاجيا لا ريعيا فتصبح الشظايا ثمارا تتساقط على الأجيال القادمة كالأمطار.

لقد آن الأوان للشعب اللبناني أن يواجه حقيقة إصابته بمرض العصاب الطائفي وهو مختلف قليلا عن مرض العصاب الذي تحدث عنه فرويد في نظريات التحليل النفسي. فمريض العصاب العادي لا يستطيع التمييز بين الحقيقة والخيال، بين الواقع والأحلام. أما مريض العصاب الطائفي فلم يتطرق له فرويد ولا حتى جاك لاكان لأنه مرض من إنتاج محلي يتفرد به معظم الشعب اللبناني. فمن يعاني من هذا المرض الفريد من نوعه لا ينفصل فقط عن الواقع، بل يحول كل الأحلام إلى كوابيس من نسج خياله ويربط كل أحداث العالم بالنظارات الطائفية الحالكة التي التحمت مع جفونه فتركت له ثقبا أسودا كي لا يفقد البصر.

أقول لكم اليوم بكل واقعية: توقفوا عن الأحلام، توقفوا عن الكوابيس، اخلعوا تلك النظارات الطائفية حتى لو كلفكم ذلك سلخ الجفون والأهداب. ابحثوا عن أنفسكم في عيون بعضكم البعض. وعندما ترون انعكاس صوركم في عيون الآخر، ستدركون أنكم حرمتم من النظرات الوطنية الصادقة التي ستحثكم على تغيير الواقع المرير معا وسحق نظارات الطائفية بخطوات موحدة ستسير على سكتها قطارات البراعم القادمة!

 

تجده على الـ facebook

شاهد أيضاً

مقابلة محمد البخيتي مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني رانيا عبد الخالق

مقابلة محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني …