الشعب اللبناني سلم دفة مستقبله لمن لوث ماضيه.
“مخطط التآخي مع الانهيار”
نعمت كريدلي
إن مخطط تآخي المواطن مع زرع عضو انهيار الليرة اللبنانية الغير مطابق لمعايير الكرامة والإنسانية ليس حديثا في تاريخ لبنان.فقد بدأت عملية استئصال الاستقرار الاقتصادي مع تبعات الحرب الأهلية حيث ارتفع سعر الدولار من 3.43 ليرة لبنانية لكل دولار عام 1980 إلى 16.41 عام 1985 حتى وصل عام 1992 إلى 2825 ليرة لبنانية.
توالت حكومات كثيرة منذ ذلك الوقت حتى الآن على عرش لبنان السياسي المهترئ. حكومات بألوان مختلفة لكن بسياسات متشابهة النتائج وإن لبست الاستراتيجيات الحزبية الضيقة شعارات رنانة لم يبقى منها إلا صدى الأنين المنبعث من احتضار الانتماء الوطني.
كانت كل حكومة تستهل غرز مخالبها في أعناق الشعب عبر وعود أفلاطونية وعندما تنتهي ظاهريا من امتصاص دماء الوطن تقدم استقالتها على طبق نحاسي مسروق من إحدى الأحياء الفقيرة في روايات تشارلز ديكنز.
بالإتفاق المحنك مع المصارف والمصرف المركزي، حول زعماء المافيا السياسية لبنان إلى دكان سياسي للمعلبات الحزبية المنتهية الصلاحية. استفاد زعماء لبنان من جنة القروض الميسرة بفوائد لا تذكر واستغلوا سذاجة تبعية الشعب اللبناني لهم ليحولوا حياة المواطن اللبناني إلى جهنم تحرقه كل يوم لكنه يستلذ بنيرانها لأنها منبثقة من زعيمه ” المقدس”.
لقد غلفوا صندوق الانجازات الخاوي بورقة هدية تستمد بريقها المخادع من قطاع ريعي يغدق عليهم سيولا من الاستثمارات الخاصة في الأملاك العامة ويرمي للعامة بضعا من المستنقعات الاقتصادية الراكدة التي تسعى لاغتيال أي مشروع إنتاجي وتقصف جبهة الزراعة والصناعة لتبقى التبعية الحزبية هي الخيار المقدس للعاطلين عن العمل.
قبل ثورة ١٧ تشرين المجيدة ببضعة أشهر، بدأت الشركات والمعامل والمحلات التجارية ( خاصة تلك التي تعتمد على استيراد مواد البناء) تقطف ثمار السياسات السامة وترتشف ببطء علقم انهيار الليرة اللبنانية وشح الدولار. بالطبع كان المشهد ضبابيا بالنسبة للمواطن اللبناني فقد كان يسمع صدفة من هنا او هناك أخبارا عن سياسة التقشف التي سستتبعها الحكومة قبل سقوطها بسهام الثورة الوطنية. لكنه لم يكن يعلم أن الانهيار الذي كان يحضر له” زومبي الطائفية ” سيكون بهذا الحجم. الشعب اللبناني يعيش اليوم انهيارا غير مسبوق لاقتصاده وكرامته وسيادته بكل بساطة لأنه سلم دفة مستقبله لمن لوث ماضيه.
يجب على الشعب اللبناني أن يعي خطورة التآلف مع الانهيار الاقتصادي والتآخي مع رصاص الأسعار الذي يلتهمه بحنكة صامتة تسعى لإيقاف ضجيج نبضات الثورة. لقد نهب زعماء الطوائف كل ما يمكن نهبه حتى وصل بهم الأمر إلى احتجاز أموال الشعب وسلب المحرومين أصواتهم كي لا يهتفوا ضدهم في الشوارع. بعض الخبراء الاقتصاديين يتوقعون أن يصل سعر الدولار إلى عشرة آلاف ليرة لبنانية في الأشهر المقبلة ومن ثم يتم تثبيته بقيمة 3500 ليرة لبنانية للدولار الواحد. هذه المكيدة الاقتصادية لم تدبر بين ليلة وضحاها، بل بدأت عملية ابتكارها منذ أكثر من سنتين عندما وجدت أحزاب الطوائف نفسها عالقة بين عجز عملاق وتورط كوكبي في ملفات الفساد. لذلك وبشكل بديهي اختارت واتفقت على سد عجز الخزينة من جيوب الفقراء عبر مسلسل التآخي مع الانهيار!