إرفعوا أيديكم عن وطني .. إنًه يختنق

 

إرفعوا أيديكم عن وطني .. إنًه يختنق

غادة المرّ

اللبنانيون الجدد

إنّنا نتنفّسُ حرّيّةً ..

حرّيةُ َالرأي، التّعبيرِ ،التّنوّعِ والإنفتاحِ على العالمِ بكلِّ إختلافِ ثقافاتِه و حضاراتِه .

في وطني، تموتُ الأحلامُ في عمرِ الورودِ ، وتُدفنُ غضباً وبذورَ ثورةٍ في وجدانِ الشّعبِ المقهور.

إنّنا نبيعُ أحلامنا ومبادِئنا ، كي نعيشَ ونصمُدَ في هذه الحقبةِ اللّعينةِ .

نتخلّى عن تلكَ الأحلامِ ،ونمطِ العيشِ الرّغيدِ كي نبقى على قيْدِ الحياة ،نجلسُ على رصيفِ الذكرى، نراقبُها ترحلُ وتبتعدُ .

لبنانُ سويسرا الشّرق.. لبنانُ مفتاحُ الشّرقِ على العالمِ المتحضّرِ، وبوابتُه ،وصِلةُ الوصلِ بين الشّرقِ والغربِ.ولطالما كان قبلةَ العالم ِالعربِيِّ ومتنفَساً وملهماً لشعوبه .

جملٌ ، إلتصقتْ بذاكرتنا ووعينا ، منذُ نعومةِ أظافِرنا . درسناها في كتبِ التّاريخِ ، فعاشت فينا.

منذُ القِدم ْ؛ بنى الفينقيّون السّفنَ من خشبِ الأرزِ ، وهاجروا ، سعياً وراء المغامرةِ والتّجارةِ والرّبح وتحسين ِ مستوى عيشهم وإكتشافِ المجهولِ .

وأنتشرَ اللّبنانيّون في بقاعِ الأرضِ، وبرعوا في بلادِ الإغترابِ، فكانوا رئةَ وصوتَ لبنانَ ووجهَه الحضاريَّ والثقافيَّ .

كان موقعَ لبنانَ الجغرافيِّ ، نعمةً ونقمةً في ذاتِ الوقتِ.فشاءَ سوءُ حظّه أن تكونَ له حدوداً بريّةً مع إسرائيل جنوباً ومع سوريا شرقاً وشمالاً .عانى الأمرّين ، من الإعتداءاتِ الإسرائيليّةِ على أرضه واستباحةِ سمائه ومياهه الإقليميةِ ، ومن إحتلالاتٍ متكررةٍ لأراضيه ، جرّاءَ عمليّاتِ المقاومةِ الفلسطينيّةِ المسلّحةِ ، إنطلاقاً من حدوده في الجنوب، فيما كانت كلُّ الحدودِ العربيّةِ تنعمُ بهدوءٍ وسلامٍ ، ومُنعتْ أيُّ عملياتٍ ضدَّ إسرائيل ، إنطلاقاً من أراضيها.

هذا من جهةِ ، ومن جهةٍ ثانيةٍ ، عانى من تسلّطِ وهيمنةِ الشقيقة ِالكبرى ومحاولاتها المستميتة لضمّه وإلحاقه بمحورها السياسيّ ، الإقتصاديِّ والجغرافيِّ ، والقبضِ على قراراته وعلى مفاصلِ الحياة ِفيه .

شاءَ سوءُ حظّ لبنانَ أيضاً ،أن يستقبلَ على أرضه ألوفَ الاّجئين الفلسطنيّن الّذين أقاموا في مخيّماتٍ ، إنتشرَتْ في مناطقَ مختلفةٍ.ما جعله يدفعُ أثماناً باهظةً ، جرّاءَ الصّراعِ العربيِّ- الإسرائيليِّ ، على مرور عقدٍ منَ الزّمنِ .

شاءَ أيضاً وأيضاً، أن يكونَ تعددَ الدّياناتِ والمذاهبَ فيه، سبباً رئيسيّاً في عدمِ الإستقرارِ وتوحيدِ التوجّهِ والإنتماءِ السياسيِّ ،العقائديِّ والثقافيِّ لشعبه. فكان سكّانه ينقسمون بين مسيحيّن ومسلمين .

كان مسيحيّو لبنانَ يتأثّرون ويميلون ثقافياً ،إجتماعياً وعاطفياً للغربِ وخاصةً للأمِ الحنونِ فرنسا.

عمدوا إلى تحيّدِ لبنانَ عن الصّراعاتِ الإقليميّةِ . ونسجِ علاقاتٍ دوليّةٍ وعربيّة متينةٍ.

إنتدبتْ فرنسا لبنان َبعدَ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ، فترةً من الزّمنِ.

وبعد جلاءِ الجيش ِ الفرنسيِّ ، وإعلانِ لبنان الكبيرِ ، سادتْ حقبةٌ ، عُرِفتْ بالمارونيّةِ السّياسيّةِ،

امتدّتْ حتّى السبعنيات .وقد عرفَ لبنان َتقدّماً وإزدهاراً وأمناً وعاشَ شعبُه رفاهيّةً وانفتاحاً ، وسُمّيَ بسويسرا الشّرق.

لكنَّ إستئثار َالمسيحيّين بالحكمِ وتهميشِ المسلمين، و تأثّرهم بالعروبةِ والقوميّةِ والقضيّةِ الفلسطينيّةِ، وشعورهم بالتّميّزِ والإنحيازِ عن شركائهم في الوطنِ ، وترافقَ كلُّ ذلكَ مع صعودِ نجم جمالِ عبدِ النّاصرِ ، في مصر ، دفعهم الضغطِ لإبرامِ إتفاقيّةِ القاهرة ، الّتي شرّعتْ عملياتِ المقاومةِ الفلسطنيّةِ المسّلّحةِ من الأراضي اللّبنانيّة.

ما فتحَ البابَ على مصراعيّه لردودٍ إسرائيليّةٍ ، غاراتٍ وإحتلالاتٍ متكرّرة في الجنوبِ وبيروتَ.

وكان بدءُ الحقبة ِالثانيةِ ، السّنيّة السّياسيّة المدعومة بالسّلاحِ الفلسطينيِّ ، أدّى لنشوبِ حربٍ أهليّةٍ سنة 1975 ، جرّتْ على لبنان كوارثَ وويلاتٍ وإنقساماتٍ ودماراً ومآسي لا تُعدُّ ولا تحصى.

ما آستدعى لاحقاً دخولَ قوات ِالردعِ العربيّةِ ، الّتي سرعان ما تحّولتْ سوريّةً بإمتيازٍ.ـ

دامت الحربُ الأهليّةُ 30 عاماً، إنتهتْ بجلاءِ الجيشِ السّوريِّ سنة 2005 ، بعد مقتلِ رفيق الحريري.

خلالَ تلك الفترةِ برزتْ طلائعُ الحقبة الثالثةِ ، فقد عمدتْ سوريا ، خلال فترةِ إحتلالها للبنانَ ، على إضعاف المسيحيّن والمسلمين السنّة، وتقوية ِ الشّيعة، فأنشأتْ حزبَ الله اللّبنانيِّ وتولّتْ إيران تسليحه وتدريبه. وقد تمكّن من تحريرِ الجنوبِ من الإحتلال الإسرائيليِّ ، ومن فرضِ وجوده بقوةٍ على السّاحتين اللّبنانيًةِ والإقليميّةِ .

وما زلنا حتى كتابةِ هذه السّطورِ نعيشُ في الحقبةِ الشيعيّةِ السّياسيّةِ .

مع إنتهاءِ الحربِ الأهليّةِ وجلاءِ الجيشين الإسرائيليِّ والسّوريِّ عن الأراضي اللّبنانيّةِ ، ومع عودةِ رؤساءِ الأحزابِ لإستلامِ دفّةِ الحكمِ و تولّي المناصبَ وإدارةِ البلادِ، كان الجيشُ يُهمّشُ و يُتركُ في الثكناتِ، ويّحجّمُ دورَه ويّشكّكُ بقدراته ، خوفاً من أن ينقسمَ .

وقد عمدتِ الأحزابُ والطوائفُ إلى تحيّدِ الجيشِ ومعارضة ِتسليحه وتسليمه زمامَ الأمورِ والدّفاعِ عن الحدودِ وضبطِ الأمنِ كي لا يعيقَ حركتها و يحّدَّ من تنفيذِ إرتباطها بأجنداتٍ خارجيّةٍ وداخليّةٍ، منها الصّراعُ العربيُّ – الإسرائيليُّ ، والصراعُ الأميركيِّ – الإيرانيِّ .

متى سيصبحُ لدينا الوعيَ الكافيَ ، فندركَ أنَّ الأحزابَ وزعمائها ، الطائفيّةَ والمذهبيّةَ ورجالاتها،

هم من إستجلبوا خرابَ وتدميرَ ونهبَ ثرواتِ هذا الوطن ؟

متى نصبحُ شعباً ، ولاؤنا الأولُ والوحيدُ للبنانَ فقط ؟

متى نعمدُ لإنتخابِ من يستحقَّ ومن يكون َ مؤهلاً لإدارةِ البلادِ بتجرّدٍ ومسؤوليّةٍ؟

متى نحلّلُ ،نراقبُ ، نحاسبُ من إنتخبناهم بأصواتنا ، ونعي أنَّهم موظفون لخدمتنا ،فلا نقدّسهم ،

بل نقيلُهم ونحاكمُهم متى فشلوا وثبتَ فسادُهم ؟

متى نبني دولةً عصريّةً، مدنيّةً ، متقدّمةً وليس مزرعةً حزبيّةً وطائفيّةً ؟

متى تكون الصّحوةُ حتميّةً ؟ فننعمُ بوطنٍ ودولةٍ وجيشٍ ، وحده يصونُ السّيادةَ ويطبّقُ العدلَ ويحمي الأمنَ ، الحدودَ ، الحرّياتِ والدستورَ ، فيعودُ لبنانَ سويسرا الشّرقِ .؟

إرفعوا أيديكم عن وطني .. إنّه يختنق

لا تغيّروا وجه لبنانَ الحضاريَّ والثقافيَّ والإقتصادي ، لا تقمعوا الحريّاتِ فيه.لا تكابروا ، فنتحمّلَ ونعاني ونواجه المجتمعَ الدّوليَّ بصدورٍ عاريةٍ ودولةٍ مفلسةٍ وإقتصادٍ ينهارُ، وبطالةٍ مستشريّةٍ ودولارٍ تخطّى عتبةَ 6000 ليرة ، ومجاعة وإفلاسٍ باتا على الأبوابِ . ومع دخولِ قانونَ قيصر وعقوباته حيّزَ التّنفيذ .

إنَّ الدّستورَ اللّبنانيَ يقرُّ ويحمي حريّةَ التّعبيرِ والتّظاهرِ في لبنانَ .

قدْ لا أتفّقق معكَ فيما تقولُ، ولكنّني على إستعدادٍ لأن أموت َ دفاعاً عن حقّكَ بالتّعبير ِ عن رأيّكَ بحريّةٍ .

فلا تلغوا وجودنا .. لا تقمعونا ..بربّكم حاورونا .

 

تجده على الـ facebook

شاهد أيضاً

مقابلة محمد البخيتي مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني رانيا عبد الخالق

مقابلة محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني …