إرفعوا أيديكم عن وطني… إنًه يختنق
غادة المر – النهار
اللبنانيون الجدد
لعنة ونعمة موقع لبنان الجغرافيّ.
شاء سوء حظّه أن تكون له حدود بريّة مع إسرائيل جنوباً ومع سوريا شرقاً وشمالاً.عانى لبنان الأمرّين، من الاعتداءات الإسرائيليّة على أرضه واستباحة سمائه ومياهه الإقليمية، ومن احتلالات متكررة لأراضيه، جرّاء عمليّات المقاومة الفلسطينيّة المسلّحة، إنطلاقاً من حدوده في الجنوب، فيما كانت كلُّ الحدود العربيّة تنعمُ بهدوء وسلام، ومُنعت أي عمليات ضدَّ إسرائيل، إنطلاقاً من أراضيها.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، عانى من تسلّط وهيمنة الشقيقة الكبرى ومحاولاتها المستميتة لضمّه وإلحاقه بمحورها السياسيّ، الاقتصاديِّ والجغرافيِّ، والقبضِ على قراراته وعلى مفاصل الحياة فيه.
شاء سوء حظّ لبنانَ أيضاً، أن يستقبل على أرضه ألوف اللاجئين الفلسطينيّين الّذين أقاموا في مخيّمات، انتشرت في مناطق مختلفة. ما جعله يدفع أثماناً باهظةً، جرّاء الصّراعِ العربيِّ- الإسرائيليِّ، على مرور عقد منَ الزّمنِ.
شاء أيضاً وأيضاً، أن يكون تعددَ الدّياناتِ والمذاهب فيه، سبباً رئيسيّاً في عدم الإستقرارِ وتوحيد التوجّه والانتماء السياسيِّ، العقائديِّ والثقافيِّ لشعبه. فكان سكّانه ينقسمون بين مسيحيّين ومسلمين.
كان مسيحيّو لبنانَ يتأثّرون ويميلون ثقافياً، إجتماعياً وعاطفياً للغرب وخاصة للأم الحنون فرنسا.
عمدوا إلى تحييد لبنان عن الصّراعاتِ الإقليميّة. ونسج علاقات دوليّة وعربيّة متينة.
انتدبت فرنسا لبنان بعد الحرب العالميّةِ الثانية، فترةً من الزّمنِ.
وبعد جلاء الجيش الفرنسيِّ، وإعلان دولة لبنان الكبير، سادت حقبة، عُرِفت بالمارونيّة السّياسيّة.
امتدّت حتّى السبعينيات. وقد عرف لبنان َتقدّماً وازدهاراً وأمناً وعاش شعبه رفاهيّة وانفتاحاً، وسُمّي بسويسرا الشّرق.
لكنَّ إستئثار المسيحيّين بالحكم وتهميشِ المسلمين، وتأثّرهم بالعروبة والقوميّة والقضيّة الفلسطينيّة، وشعورهم بالتّميّز والانحياز عن شركائهم في الوطن، وترافق كل ذلك مع صعود نجم جمال عبد النّاصر، في مصر، دفعهم للضغط لإبرام إتفاقيّة القاهرة، الّتي شرّعت عمليات المقاومة الفلسطينيّة المسّلّحة من الأراضي اللّبنانيّة.
ما فتح الباب على مصراعيه لردود إسرائيليّة، غارات واحتلالات متكرّرة في الجنوب وبيروت.
وكان بدء الحقبة الثانية، السّنيّة السّياسيّة المدعومة بالسّلاح الفلسطينيِّ، أدّى لنشوبِ حرب أهليّة سنة 1975، جرّت على لبنان كوارث وويلات وانقسامات ودمارًا ومآسي لا تُعد ولا تحصى.
ما استدعى لاحقاً دخول قوّات الردع العربيّة، الّتي سرعان ما تحّولت سوريّة بامتياز.
دامت الحرب الأهليّة 30 عاماً، انتهت بجلاء الجيش السّوريِّ سنة 2005، بعد مقتل رفيق الحريري.
خلال تلك الفترة برزت طلائع الحقبة الثالثة، فقد عمدت سوريا، خلال فترة احتلالها للبنان، على إضعاف المسيحييّن والمسلمين السنّة، وتقوية الشّيعة، فأنشأت حزب الله اللّبنانيِّ وتولّت إيران تسليحه وتدريبه. وقد تمكّن من تحرير الجنوب من الإحتلال الإسرائيليِّ، ومن فرض وجوده بقوة على السّاحتين اللّبنانيًة والإقليميّة.
وما زلنا حتى كتابة هذه السّطور نعيش في الحقبة الشيعيّة السّياسيّة.
مع انتهاء الحرب الأهليّة وجلاء الجيشين الإسرائيليِّ والسّوريِّ عن الأراضي اللّبنانيّةِ، ومع عودة رؤساء الأحزاب لاستلام دفّة الحكم. و تولّي المناصب وإدارة البلاد، كان الجيش يُهمّش ويُترك في الثكنات، ويّحجّم دورَه ويّشكّك بقدراته، خوفاً من أن ينقسم.
وقد عمدت الأحزاب والطوائف إلى تحييدِ الجيش ومعارضة تسليحه وتسليمه زمامَ الأمور والدّفاع عن الحدود وضبط الأمن كي لا يعيق حركتها ويحّدّ من تنفيذ ارتباطها بأجندات خارجيّة وداخليّة، منها الصّراعُ العربي – الإسرائيليّ، والصراع الأميركيّ – الإيراني.
إرفعوا أيديكم عن وطني.. إنّه يختنق
لا تغيّروا وجه لبنانَ الحضاري والثقافيَّ والإقتصادي، لا تقمعوا الحريّات فيه. لا تكابروا، فنتحمّل ونعاني ونواجه المجتمعَ الدّولي بصدور عارية ودولة مفلسة واقتصادٍ ينهار وبطالة مستشريّة ودولار تخطّى عتبةَ 15000 ليرة، ومجاعة وإفلاس باتا على الأبواب.
إنَّ الدّستور اللّبناني يقر ويحمي حريّة التّعبير والتّظاهر في لبنان.
قدْ لا أتفّق معك فيما تقول، ولكنّني على استعداد لأن أموت دفاعاً عن حقّك بالتّعبير عن رأيّك بحريّة.
فلا تلغوا وجودنا… لا تقمعونا… بربّكم حاورونا.
https://www.facebook.com/newlebanese.org/posts/338449240987389