ثورة دون قيادة، تُسقط نظاماً ولكنها لا تُقيم دولة.
اللبنانيون الجدد
الدكتور المهندس جوزف رحمة
أيها الثائرون الأحرار، نحيّيكم بتحية وطنية، ونثمّن صبركم وصمودكم وتضحياتكم. من منّا لا يُؤمن بأنّ التغيير أصبح ضرورياً وحتمياً بحكم تردّي الأوضاع وحجم الظلم والفساد والاستبداد، ومن منّا لا يُدرك أنّ كسْر حاجز الخوف وانتزاع حرية التعبير هما مكاسب كبيرة ومقدّرة. ولكن فلنعترف جميعاً، لقد اتفقنا على ما لا تريده الثورة، ولكننا ما زلنا نختلف على ما تريد.
رفاقي، حتى اليوم ليس هناك اتفاق على استراتيجية واحدة، ولا على مطالب موّحدة، ولا حتى على برامج عمل مفصّلة. فقط جماهير من المتظاهرين المحقين الغاضبين الذين ما عادوا يثقون بالنظام وأزلامه.
سؤالي لكم: كيف سيُكتب لتشرين النجاح دون وضع أسس واضحة تراعي الأهداف المحقة، وما هي الخطة الناجحة المطروحة، المعلنة لأصحاب الحناجر الغاضبة والتي تقنعهم وتحثّهم على إكمال ثورتهم دون أن يكونوا عاجزين أو محبطين؟
سمِعنا ونسمع الكثير من الرفاق ينادون حتى اليوم أنّ الثورة لا تحتاج إلى قيادة ويجب أن تبقى عفوية. ولكن رفاقي، العفوية الدائمة تعني عدم وجود رؤية موحّدة، فيأخذنا الحماس إلى مسافةٍ قصيرة ثم يقف. وهنا يبدأ الإنحراف عن المسارات والأهداف الحقيقية، وندخل في خلافات ومعارك جانبية وفرعية. فيتحوّل الخطاب من ثوري إلى سياسي، وتتحوّل الأهداف من رغبة حقيقية في التغيير إلى رغبة في الإحتواء والتعايش والمواءمة.
إنّ تحقيق أهداف الثورة وآمال الشعب، والتعاطي مع الملفات الثقيلة والأوضاع المعقّدة، لن تنجزها المليونيات والإعتصامات والشعارات وحدها. مجلس قيادي وطني جامع حاضر للإنتخابات يمكنه أن يؤدّي الواجب.
زملائي من مختلف الأشخاص والشخصيات، من مختلف المجموعات والتجمعات، من مختلف الكتل والتكتلات، تخيّلوه مجلس قيادة يضمّ المئات من الشخصيات الوطنية الوازنة ومن مختلف الكفاءات، يشبكون الأيادي ويقفون أمام جمهور واسع من آلاف الثائرين الأحرار، وأمامهم كتيّب يحتوي على برنامج عمل واستراتيجية واضحة، وورائهم صورة على الحائط في وسطها قبضة الثورة وحولها الآلاف من شهداء الجوع والقتل والظلم والتفجير.
رفاقي، نحن اليوم أمام القليل من الإنتصارات والكثير من خيبات الأمل. فلنحدّق جميعاً من هذا القعر العميق إلى ذاك الضوء البعيد في آخر النفق المظلم ولْنتقدم نحوه. فإنّ الضوء ينتظرنا.