من وسط بيروت، صلاة
د. جوزف رحمة
اللبنانيون الجدد
من وسطِ بيروت دقّت أجراسُ الكنائس وارتفعت آذان المساجد إيذاناً بالرحلة رقم ٤ آب وذكراها الأليم.
في لحظتها، كلُّنا لبسنا قمصان الصمت وبدأنا نصلّي..
صلَّينا أولاً عن روح الضحايا الذين بدأت أسماءهم تذوب في نيترات النسيان. هؤلاء الذين غسلوا حياتهم بماء الموت ورقدوا تحت ركام بيروت الفائح برائحة الكرامة.
صلّينا عن روح وطن يعيش في وضعية صلبٍ بالمقلوب على طريقة القديس بطرس. ذنبه الوحيد أنّه بلد نفطي وأنّ الأكثرية فيه تابعة لمحاور إقليمية وفخورة بثقافة الزعيم ورافضة للثقافة التوحيدية.
صلَّينا عن روح دولة تحتفل إذا أنجزت إعمار حائط، وتقلّد نفسها أوسمة الشرف إذا أنارت طريق فرعية، وتكرّم ذاتها إذا دشّنت لوحة تذكارية، وتطالب أهلها بتهنئتها إذا سطّرت محضر ضبط بمسكنٍ مخالف أو خيمة فقير يعتاش منها.
صلَّينا عن روح مَوج المتوسط الذي لم يعد يَفقش بوطنيّة على صخور نهر الكلب. فصار الموج دمع البحر وأصبح زبده حليباً مرضعاً للدول الجائعة.
صلَّينا عن روح المثالثة الشعبيّة بدل أن نصلّي على رأس المثالثة الطائفية، حيث انقسم شعبنا بين من هُم على قيد الوفاة، ومن هم على قيد الهجرة، ومن بقيَ منهم في هذه الأرض على قيد الأمل.
وعند الإنتهاء، بقيتُ ساجداً وصلّيت عن روح ضميرٍ مفقود وكرامة ضائعة سيّجَتهما السُلطة بشخيرٍ طويل وقايضتهما على بعض المراكز والتعيينات والمناقصات.
نظرتُ بعدها إلى السماء وتذكّرت المقولة على “قولِة جِدّي”: “كل شي اشتْريتو بالشرف غالي، وكل شي اشتريتو بالمصاري رخيص”.
https://www.facebook.com/newlebanese.org/posts/319651986130759