يونيسف لبنان
“نعمل في العراء نحو خمس ساعات يوميا”. هادي، وله من العمر 15 عاما”
أواخر عام 2019، بدأ لبنان يشهد إنزلاقا سريعا نحو الفوضى الإقتصادية العارمة. وطبيعي أن تؤدي دورة الفقر المتفاقمة الى حرمان الأطفال من حاضرهم ومستقبلهم، ما يتسبب بأضرار تدوم مدى الحياة
“حين نملك المال نشتري ما نحتاج إليه وحين نفتقر لوجوده فلن نأكل”.
هو كلام فاديا، أم لطفلين، إستبدلا وقت التعلّم وجعلاه وقتا للعمل.
اللبنانيون الجدد
نقاط ضعف عدة تواجه حاليا الفتيات والفتيان والعائلات في لبنان لأكثر من سبب بينها جائحة كوفيد-19 ومأساة إنفجاري بيروت والتدهور الإجتماعي والإقتصادي المتفاقم في لبنان منذ خريف عام 2019.
لم تكن الحياة سهلة أبدا على اللبنانية فاديا (وهي أم لطفلين) تقول: “لم تكن الحياة يوما صعبة كما هي اليوم”.
تعيش أسرة فاديا في منزل متواضع جدا، من ثلاث غرف، جانب حقل من الموز في منطقة الإسماعيلية القريبة من مدينة صور في جنوب لبنان. ننظر الى يديّ زوجها فندرك قساوة العمل في قطاع الزراعة. تقول فاديا مبتسمة: “يعمل زوجي دائما. لكن، اليوم، رغم توفّر العمل، فإن المال الذي يجنيه لا يكفي أبدا”.
أواخر العام 2019، بدأ ينزلق لبنان سريعا الى الفوضى الإقتصادية العارمة. خسرت الليرة اللبنانية 10 في المئة من قيمتها السابقة أمام الدولار الأميركي. والدولة اللبنانية، كما يعلم البعض، تعتمد في شكل كبير على الواردات، ما جعل هذا الإنهيار المالي الكبير ينزل كما الصاعقة المدمرة على المواطنين.
تعلق فاديا “منذ عقود طويلة ونحن نعيش، الى حدّ كبير، على نفس المنوال وفجأة تبدل كل شيء وتغيّرت كل حياتنا. أعترف أنني لم أتصوّر يوما، حتى في عزّ زمن الحرب، أننا سنعيش حياة تُشبه ما نعيشه اليوم” وتستطرد “إستمرينا في الحرب، وفي أحلك الأحداث والصراعات الداخلية، قادرين على تأمين الطعام لأنفسنا، ولم يضطرّ أيّ طفل الى ترك المدرسة ليذهب الى العمل”.
كلّ الأمور اختلفت الآن
ولدا فاديا، هادي (15 عاما) وشقيقه الأصغر عبدلله إضطرا الى ترك مقاعد الدراسة والإنضمام الى صفوف العمال ليُساعدا في إعالة أسرتهما. فالأزمات المتشابكة، المركبة، التي عصفت في البلاد ترافقت مع إنخفاض كبير في قيمة ما كان يجنيه والدهما وزيادة سريعة في أسعار المواد الأساسيّة.
يقول هادي: “نحن نعمل في العراء مدة خمس ساعات يوميا”. هو يعمل مع شقيقه في قطف البرتقال والحمضيات- وهذا النوع من الأعمال يعتبر خطيرا على الأطفال لأنه يجبرهما على حمل الأوزان الثقيلة والتعرّض لتنشق المواد الكيميائية والمكوث طويلا في العراء في أجواء مناخية غالبا ما تكون قاسية. الطفل يجب ألا يعمل في بيئة من هذا النوع.
“حين نملك المال نشتري ما نحتاج إليه وحين نفتقر لوجوده فلن نأكل”. فاديا تقول ذلك معبرة عن قلقها “أكثر ما يقلقني هو عدم قدرتي على تقديم الطعام لأفراد أسرتي. وتستطرد: أيام زمان، حتى في عزّ الحرب، لم أواجه مثل هذا القلق”.
وما يلفت، هو أن الجيران الذين طالما كانوا يمدون يدّ العون الى بعضهم البعض في أوقات الشدة يعانون من نفس الفاقة والعوز. كل الأسر باتت تعيش نفس الضغوطات بفعل تراجع المدخول وارتفاع الأسعار.
تقول هويدا (51 عاما) وهي أم لخمسة أطفال، أربعة منهم دون سن الثامنة عشرة: “جميع أطفالي يعملون في الحقول. إنه عمل موسمي يكسبون منه المال القليل. ونادرا ما يزيد المبلغ الذي يتقاضونه عن دولار أميركي واحد مقابل خمس ساعات عمل متواصلة”.
ما يتقاضاه أطفال هويدا تستخدمه الوالدة في سداد كلفة الإيجار وشراء المواد الغذائية والمواد الأساسية الأخرى. تعاني هويدا من العديد من المشاطل الصحية، منها مرض السكري وتقول: “أصبحت وعن الحصول على الأدوية التي تضاعفت أسعارها ثلاث مرات. وحتى لو توفّر مبلغ شراء الأدوية فهي مفقودة من الصيدليات”.
اليوم، أصبح الفقر سببا رئيسيا يحول دون توافر التعليم والرعاية الصحيّة المناسبين، ويتسبب بحرمان الأطفال من المقومات الأساسية المطلوبة، ويعرّضهم الى مزيد من العنف والزواج القسري وعمل الأطفال. تأثير تفاقم حلقة الفقر في لبنان كبير. ويؤدي العوز المتزايد الى حرمان الأطفال من حاضرهم ومستقبلهم ويتسبب بأضرارٍ تلازمهم مدى الحياة.
إزاء كل ما يحصل، تطلق اليونيسف قريبا منحة متكاملة خاصة بالأطفال باسم “حدّي” سيُصار الى توزيعها خلال الأشهر القليلة المقبلة على الأطفال المعرضين للخطر من جميع الجنسيات.
تقدم اليونيسف حاليا، من خلال الشركاء المنفذين Terre des Hommes Lausanne ( أرض الإنسان- لوزان) و PWHO (منظمة المرأة الإنسانية)، الدعم النفسي-الاجتماعي المركّز وإدارة الحالات لهؤلاء الأطفال ودعم أهلهم بأساليب التربية الإيجابية.
–
Lebanese revolution – ثورة 17 تشرين – اللبنانيون الجدد