يوم كان للبنان رئيساً ولإيران شاه.
يومَ كان العدلُ والأمنُ و الإزدهار والفنُّ والموسيقى والحضارةُ، يومَ كان القضاء ُسيّدَ المكان ِوالزّمان.
القضاءُ، يدُ الله على الأرض. بتلك اليد، يُمسكُ سيفَ الحقِّ والحقيقةِ والعدالة.
غادة المرّ – النهار
اللّبنانيون الجدد
يا سيّدِ المقاومة
كيف نخبِرُكَ أنّنا جميعاً متعبون.
كلٌّ منّا، بداخلِه غصّةٌ كافةٌ، تجربةٌ شائكةٌ وقِصّةٌ نازفةٌ، إخفاقاتٌ لم تحظَ بالتّقدير . ولكن الأهمُّ من هذا كلّهِ يا سيّد ، أن نكونَ تجاهَ بعضِنا بهذه المساحةِ الضّيقةِ والّتي إسمُها الوطن ،أن نكونَ أكثرَ محبّةٍ لأنفسِنا الّتي لها حقُّ الثّباتِ في أوجِّ الألم. لها حقُّ التطلّعِ إلى غدٍ مشرقٍ لطالما حلمْنا به في أوجِّ الإنطفاءِ، ولها حقُّ العزّةِ في أوجِّ الإنكسار.
نعم يا سيّد، خسِرْنا وأفصحْنا عن حاجتِنا للبقاءِ وللعيشِ بكرامةٍ وحرّيةٍ وأمانٍ وبحبوحةٍ في وطنٍ هو كلُّ ما نملكُ من تاريخٍ وملاذٍ وغدٍ رجوناه مُشرقَاً.
في الطّريقِ، فقدْنا الكثيرَ وأضعنا الأمان والكثيرَ الكثيرَ من الشّهداء. إستهلكْنا طاقاتِنا وقدُراتِنا، وحَمَلَنا النّهرُ إلى مصبِّه الموحش، حين غابَ العدلُ والأمانُ وفقدْنا هويّتَنا وحرّيتَنا وناضلْنا سنيناً للبقاءِ وصونِ العيشِ المشتركِ والسّلمِ الأهليِّ. إستهلكْنا ما في جعبتِنا .. للبقاء.
لا بأسَ بالخسارةِ، فنحن قومٌ يؤمنون بضرورةِ العيشِ مهما أخفقْنا وأضعْنا أحلامَنا على عتبةِ الماضي السّحيق.
يا سيّد
مئةُ ألفِ مقاتلٍ ، وإسرائيلُ باقيةً ، تنعمُ بالأمن ِ والإزدهارِ ، وتتمتّعُ بالثروة النفطيّةِ وتُصدّرُها للعربِ، وهناك خمسُ عواصمَ عربيّةٍ ، دمّرتْ ومات وتهجّرَ أهلُها وتعيشُ الفقرَ والذّلَ والإنحطاط.
مئةُ ألفِ مقاتلٍ وما زالتِ القدسُ محتلّةٌ، ولبنانُ ينزفُ ويصارعُ الموتَ والزوالَ ويسقطُ في وادي الأزماتِ والإفلاسِ السّحيق.
يا سيّد
قلْتَ لنا أنَّ المقاومةَ وسلاحَها ،هدفُها حمايةُ لبنانَ وصونِ حدودِه وسماءِه وبحرِه، وبالتالي إستقلالِه ودستورِه.لبنانُ .. الدّولةُ والمؤسّساتُ . لبنانُ .. القضاءُ والعدالةُ والقانون. لبنانُ ..الجيشُ والشّعبُ والتّاريخُ والحضارةُ .
كيفَ يقومُ مجتمعٌ ودولةٌ دون جيشٍ قويٍّ، دون قانونٍ وقضاء نزيهٍ يصون حقوقَ الفردِ ويؤمّنُ حرّيتَه وكرامتَه وممتلكاتِه؟
ما فائدةُ السّلاحِ، ومئةُ ألفِ مقاتلٍ وآلاف الصّواريخِ، ونحن لا نجدُ الدّواءَ ولاالمازوتَ ولا البنزينَ، وفقدنا أموالنَا ونقفُ في طوابير الذّلِ ، ونعيشُ في جحيمِ العتمةِ والمرضِ والجّوعِ وألمِ الغربة.؟ ما نفعُ السّلاحِ وشبابّنا يهاجرُ ويموتُ ويحاربُ في بلادٍ غريبةٍ.؟
مفهومُ الدّولةِ : جيشٌ-قضاءٌ-شعبٌ.فبأيِّ دولةٍ تبشّرُنا يا سيّد؟
حين يتمرّدُ السّلاحُ على هيبةِ ودورِ الدّولةِ ويلغيها، أيُّ مصيرٍ ينتظرُنا في دولةٍ غدَتْ جحيمَاً ومزرعةً بل غابةً تسودُها شريعةُ الغابِ وتنتشرُ فيها الإغتيالاتُ والقتلُ والنّهبُ والفسادُ والجريمة.؟لماذا تقتُلُنا ونحن شعبُكَ وناسُكَ وأبناءُ وطنِكَ؟ لماذا تكتفي بمئة ألف مقاتلٍ وأنتَ كان بإستطاعتِكَ أن تفوزَ بمحبّةِ ودعمِ شعبِ لبنان كلّه ؟
يا سيّد
طريقُ القدّسِ لا تمرَّ من الأشرفيةِ وزحلة وعين الرّمانة.
لا أملَ لنا إلّا بالتعايشِ واحترامِ خصوصيّاتِ وحدودِ مناطقِنا وطوائفِنا. لا أملَ إلّا ببناءِ دّولةٍ قويّةٍ، قضاءٍ مستقلٍّ وجيشٍ ومجتمعٍ محايدٍ ، منفتحٍ على الشّرقِ والغرب .
القضاءُ المستقلُّ والعادلُ ، حمايةٌ لكم ولنا .
سلاحكُم ومقاومتُكم للعدوِّ وليس لترويعِ وترويضِ باقي مكوّناتِ الوطن.
إن قوّضْتم أركانَ الدّولةِ وتابعْتم حملةَ إفراغِها من مقوّماتِها وتفكيكِ مؤسّساتِها ،إن ضربْتم القضاءَ وأضعفْتم الجيشَ وتابعْتم حمايةَ الطّبقةِ السّياسيّةِ الفاسدة، ماذا ستربحون؟
إرفعوا أيدِيكم عن القضاءِ ودعوه ينهي ملفّاتِه ، ويصدرُ أحكامَه بعيداً عن نزاعاتِكم وتدخّلاتِكم السّياسيّة.
نريدُ دولةً قويّةً نحتمي جميعُنا تحتَ جناحِها.
نريدُ جيشاً قويّاً يحمي الحدودَ ويحميْنا.
نريدُ قضاءً قاطعاً كحدِّ السّيفِ بالحقِّ ، يحمينا.
نريدُ العيشَ بسلامٍ وحريّةٍ وكرامة، وتآخٍ في هذا البلدِ المصلوبِ على صليبِ نزاعاتِ وأجنداتِ قوىً إقليميّة ولعنةٍ فرعونيّة ممزوجةٍ بنكهةِ أطماعٍ دونكيشوتيّةٍ من العدوّ والجّارِ والصّديق.
نريدُ الحقيقةَ في ملفِّ تفجيرِ المرفأ والعدالةِ لضحاياه.
نريدُ لبنانَ الّذي عرفناه ويعيشُ في وجدانِنا وقلوبنا.
يا سيّد
عدالةُ الأرضِ تُطمسُ وتشوّه ، ماذا عن عدالةِ السّماء ؟ ماذا عن دعواتِ ملايين الأمّهات الثكالى؟
لن تتمكّنوا من السّيطرة على لبنانَ، لن تحكموه وحدكم. راجعوا كتبَ التّاريخِ. لم يبقَ في لبنانَ سوى مؤسسةِ الجيشِ والقضاء ، إن قوّضَتْ .. إنتهى الوطن.
ما نفعُ العقيدةِ والسّلاحِ والمقاومةِ وال مئةُ ألفِ مقاتلٍ، إن بقيتْ رايتُكم الصّفراءُ والسّلاحُ والحزبُ…
وخسرْتم اللهَ والشّعبَ والوطن .
رابط المقال على موقع جريدة النهار إضغط هنا
*********