هرولتْ غير عابئة بكلّ الذين اعترضوا دربها ، فمنهم من سخر منها ، ومنهم من وقف مذهولا ،ومنهم من تأفّف وامتعض، ومنهم من سأل : “ما الخطب ؟ لماذا تطوي المسافات كالمجنونة ؟ “
….لمْ تر أحدا حينها ، ولم تكن تسمع إلاّ صدى كلماته التي ما تزال بين الضّلوع أهازيج خالدة ،تدندها اختلاجاتها .
كانت الأسئلة كألسنة اللّهب تصهد فؤادها ،والبوح غصّة تسدّ حلقها ،وهي تهَبُ خطاها للرّيح ،مستسلمة لبوصلته الهوجاء. فجأة توغّلت رجلاها في الرّمل ،وغمرهما الماء البارد إلى الرّكبتين ، شهقتْ ،شهقة أعادتها إلى رشدها ، بركتْ تلتقط أنفاسها المتلاشية ،وأذعنت لأيادي المدّ والجزر تتقاذفها ، تاهت في اللاّشيء ، في اللاّمكان، وأفلتت من قبضة الزّمان ، رفعت يديها ، تشبّعت بأنفاس الذّكرى ،وأعادت صرختها الأولى
…يا أزرقُ ضمّدْ بملحك جراحي ،يا أزرقُ ،التهم بهديرك وحش هواجسي ، اغسل شكّي بماء اليقين.
– أتُراني كنتُ أحلم ؟ أكنتُ واهمة ؟ تلك السّعادة كانت محض أضغاث ؟ أكلّ ذلك العشق كان جمرا وخمد ؟-
تعالى نشيجها، وشقّ صدر الصّدى ، تحلّقت بها النّوارس الغريبة ،وانداحت الأجنحة تظلّلها ، خفّقت ،صفّقت ، فتحت “وفاء” ذراعيها و ضربت الماء بكلّ عنفوانها كأنها تكسّر على مراياه وجيعتها ، ثم أسلمت نبضها للموج المرتحل…