“التحول الديموغرافي في لبنان: خطوة نحو تهجير الطائفية”
نعمت كريدلي
اللبنانيون الجدد
لقد اتبع حكام لبنان سياسة التقسيم المناطقي حسب التنوع الطائفي وحرصوا على أن تبقى جغرافية المناطق في لبنان منكهة بالطابع الطائفي منذ عقود. فاكتسبت الاتجاهات الجغرافية مدلولات دينية مع الوقت؛ فاقترن مثلا اسم الجنوب بالشيعة والشمال بالسنة والجبل بالدروز وبيروت بالمسيحيين.
سهل هذا التقسيم المناطقي الممنهج طريق اختلاس المال العام والمحاصصة وتوزيع الثروات بين السياسيين وتم استثماره خلال عقود من الزمن كتربة خصبة لزرع بذور الحقد الطائفي وحصاد ثمارها عند كل مفترق انتخاب أو تمرير صفقة تحت ظلال عباءة “مصلحة الطائفة” . للأسف وقع اللبنانيون في فخ الشرانق الطائفية وتقوقعوا في أوكار مناطقهم ظنا منهم أن زعماء الطوائف سيعملون ليل نهار لإنماء مناطقهم والحفاظ على حقوقهم.
لكن الرياح لم تجر فقط بما لا تشتهي السفن، بل إن زعماء المافيا السيادينية سرقوا السفن بما فيها ورموا الركاب ( الشعب) بين أمواج الانهيار الاقتصادي الهائجة. والأسوأ من ذلك، أنهم لا زالوا يقرأون الخطابات كل من على متن سفينته والشعب يصفق لهم وهو يغرق!
لذلك، ومن وجهة نظري، أرى أن التغيير الديموغرافي الذي يهدف إلى إعادة مزج الثقافات والأديان وفك التحالف بين المنطقة والطائفة قد يكون الخطوة الأكثر فعالية لتحييد لبنان عن الصراعات السياسية المرتبطة بالوجود الديني. إن انصهار الطوائف ببعضها البعض في نفس الرقعة الجغرافية يفرش السجاد الأحمر تحت خطوات التعايش السلمي المشترك ويقرب المسافات الوطنية التي سعى زعماء الطوائف لترسيمها بين حدود المناطق الداخلية اللبنانية واليوم يسعون جميعهم لترسيم الحدود الخارجية اللبنانية ليحموا أنفسهم من العقوبات.
سيأتي يوم يمتلئ فيه كل حي من أحياء لبنان بدكانة أبو علي وفرن جورجيت وصيدلية عمر ومطعم إبراهيم إلخ. لكن عندما يأتي هذا اليوم سيشيد في نفس ذلك الحي مدرسة وجامعة ومستشفى وطنية لبنانية لا يرفع على سطحها إلا علم لبنان الذي سيحضن كل الأسماء تحت عباءة مصلحة المواطن.