رسالةٌ من القلبِ في جيبي ،قبلَ أن نستقلَّ جميعاً الرحلةَ الأخيرةَ نحو جهنّم َ

سيّدي الرّئيس ..
رسالةٌ من القلبِ في جيبي ،قبلَ أن نستقلَّ جميعاً الرحلةَ الأخيرةَ نحو جهنّم َ.
البطاقاتٌ لا تُردٌ ولا تستبدَلُ ولا تؤجّلُ ، وهي تذكرةُ ذهاب ٍدون إياب ٍ..
إن خسرْنا الوطنَ ..ليس هناكَ من وطنٍ بديلٍ ..
إقتضى التّوضيح.

غادة المرّ
اللّبنانيّون الجدد

سيّدي الرّئيس..
كيف نخبرُكَ أننّا لسنا بخيرٍ ؟أننّا نعيشُ في الجّحيم منذُ دهرٍ..
كيف نخبرُكَ أنَّ قلوبُنا غدَتْ فُتاتاً من زجاجٍ ودمعٍ، وكنًا نحن من تفتَّتْ قلوبَهم بين أيديهم من شدّةِ الألمِ والخيباتِ المتكررةِ والتّي لا تنتهي .
الجحيمُ أو جهنّمُ كما أسميتها، غدا وطني الجّريح.
سيّدي الرّئيس..
في هذا اللّيلِ الكئيبِ ، قاومْنا وصمدْنا . غضبْنا ..وكانت ثورتنا وأحلامنا ، ولطالما صرخنا وأردناها أن تعيشَ، وتنقذنا من هذا الجحيمِ، ولطالما أردنا أن نقاتلَ على جميع الجبهاتِ من أجلِ أن ننقذَ الوطن َ. ولم يسمعْ بكاءَنا ووجعَنا أحدٌ في السّلطةِ النائمة ِ والغافلةِ عن مأساةِ هذا الوطن .
سيّدي الرّئيس ..
أرأيتَ كيفَ قمعوا ثورتي؟
أرأيْتَ كيفَ هدّموا مدينتي ؟
كيف قتلوا الناسَ في البيوتِ وعلى الطّرقاتِ وفي السّياراتِ ؟
حزينٌ جدّاً أنَّ هذه المدينةُ التّي نسكنُها ، لم تعدْ تشبهُ المدينة التّي تسكنُنا . كنجمةٍ في السّماءِ إنطفأَتْ .
سيدي الرّئيس ..
أأخبركَ عن وجعِ أمّهاتٍ دفنّن أولادَهنَّ في عمرِ الورودِ ؟ وأخرياتٌ ودّعنَ أولادَهنَّ وسافروا من دون أملٍ بعودةٍ قريبةٍ؟
أو ذاكَ الأبُ الّذي فضَّلَ المخاطرةَ ووضعَ أطفالَه في زوارقَ الموتِ هربَاً من جحيمِ وطنٍ وبطشِ وعهرِ سلطةٍ حكمتْ عليه وعلى المواطنين بالموتِ ذُلّاً وجوعاً ويأسَاً؟
أأخبركَ أنَّ الشوارعَ فارغةٌ منَ النّاسِ ولا تملأها سوى النّفاياتُ والصّمتُ ورائحةُ الدّخانِ والقهرِ ؟
أنَّ الجوعَ ينامُ ويسكنُ البيوتَ . ؟
أتريدُ أن أخبرُكَ أنَّ الألوفَ من النّاسِ يتهيّأون للهجرةِ ،بعدَ أن كفروا بالوطن ؟
أنَّ تعبَ وجنى عمرِ النّاسِ ،تبخّرَ في الهواءِ ونُهبَ؟
سيدي الرّئيس ..
بضعُ شظايا من الألمِ كانت كفيلةً أن تُساعدُنا كي نصحو من الركودِ واليأسِ الّذي ينهشُ أرواحَنا .
وبقمّةِ الألمِ والكُفرِ و موتِ الأحلامِ وإنعدامِ الضميرِ وفي الطّريقِ إلى الجحيمِ نصرخُ ..
سيّدي الرّئيس..
كيفَ نخبرُ البحرَ .. ونخبرُكَ أننّا هنا على اليابسةِ ،نغرقُ ،ويبتلعُنا الذّهولُ ؟
كيفَ نخبرُ السّماءَ .. ونخبرُكَ أننّا هنا على الأرضِ ، نتألّمُ، نجوعُ، نمرضُ نشتاقُ ،ننطفئُ ونكابرُ كي لا نسقطَ ..كي لا نبكِ ونولولَ .
لماذا الكتابةُ عنكَ يا وطني ..يا وجعي ،صعبةٌ؟ لماذا الكتابةُ عن وطنٍ ،باتتْ جراحُه وعذاباتُه ومآسيه مؤلمةً لحدِّ العويلِ والنّدبِ ؟
دربُ جلجلةٍ كُتبتْ علينا ومشيناها، فمتى القيامةُ يا وطني ؟
دربٌ مزروعٌ بالجراحِ والمرِّ والعلقمِ ، وحربةٌ مغروزةٌ بخاصرةِ هذا الوطنِ، وإكليلٌ من شوكٍ وخياناتٍ لا تنتهي على هاماتِ ملوكِ السّلطةِ والحُكّامِ الفاسدين الّذين باعوا الوطنَ بثلاثين ليرةٍ من الفضّةِ.
سيّدي الرّيس ..
نحنُ متروكون لأقدارنا؛ نموتُ كلَّ يومٍ ذلاً وقهراً وجوعاً ويأساً على أبوابِ المصارفِ والسوبرماركات، وعلى أبوابِ المستشفياتِ والمدارسِ والجامعاتِ، أو بتفجيرٍ أو رصاصةٍ طائشةٍ ،أو على الطرقاتِ ، أو في قواربَ الموتِ في البحرِ أو قمعاً وجوعاً وبطالةً وتلوثاً ..أو … واللائحةُ تطولُ وتطولُ .
قدرنا أن نبقى في ذاكَ النّفقِ الحالكِ ،نبتعدُ كخيوطِ دخانٍ نحو السّماءِ ونختفي في آخر النّفقِ ونتوهُ.
أيا قدرُ.. إلى متى ستبقى ملتصقاً بنا وتلاحقُنا؟
فهل سنصمدُ بعدَ كلِّ هذه المآسي؟
سيّدي الرّئيس..
جهنّمُ لا تليقُ بنا .. أشياءٌ كثيرةٌ تفلتُ من أيدينا ، هي أقدارٌ رُسمَتْ لنا، أقدارٌ مكتوبةٌ وحزينةٌ، لكن
سيّدي الرّئيس..
هنا بيتي.. هنا قلبي.. هنا أهلي..هنا عقلي .. هنا وطني ….هنا روحي..
هنا تاريخي وطفولتي.. هنا نهايةُ حكايتي.

لن أسافرَ ..لن أُفلتَ قلبي ويدي معاً.. لن أراقبَ مشاعري تتحوّلُ لذكرياتٍ حزينةٍ، وكيفَ يغدو الصّمتُ سيّدَ الموقفِ، وكيفَ أحلامُنا تصبحُ سراباً.
كيفَ برمشةٍ عينٍ ، نصبحُ غرباءَ هناكَ .
لن أغادرَ ، هنا ثورتي ووطني الّذي أحلمُ أن يكون َ جنّةً .
ثابتةٌ في مكاني..مليئةٌ برائحةِ الأرضِ والقهوةِ والياسمينَ، وأنا أرتشفُ قهوتي في الصّباحِ ، على شرفتي، في مدينتي السّمراءَ .
أنا أنتمي إلى هنا..إلى هذه الجّبالِ والوديانِ ، وذاكَ الفضاءِ الشّاسعِ .إلى قدسيّةِ هذه الأرضِ .
سيدي الرّئيس ..
لم يفتِ الأوانُ بعد .. لنعملَ على إلغاءِ الرّحلةِ السّريعةِ نحو الجحيمِ . ونمزّقَ بطاقاتِ السّفرِ ونُلغي الحجوزاتِ ونتركَ الحقائبَ في أماكنها ترتاحُ .
جهنّمُ لا تليقُ بكَ سيّدي الرّئيس، ولا تليقُ بشعب ٍ ضحّى وعانى ودفعَ قوافلَ من الشّهداءِ ، لم يستسلموا وآفتدوا الوطنَ .
سيّدي الرّئيس..
أنتَ من المدرسةِ العسكريّةِ وأنتَ لبنانيٌّ وأنتَ الرَئيسُ . تفاءَلْ وقدِ الطائرةَ مع من يؤمنون بلبنانَ وأنّه سيبعثُ من تحتِ الرّمادِ والنّارِ والأحزانِ حيّاً كطائرِ الفينيقِ .
سيّدي الرئيس..
دعْ جهنّمَ لهم … شكلّ الحكومةَ المنقذةَ ..أطردِ الخونة َ والمستسلمينَ والفاسدينَ.
الجيشُ معكَ والثورةُ معكَ وكلّ الشّرفاءِ والمخلصين ، لست وحدكَ .
سيّدي الرّئيس ..
لننسَ الماضي والأحقادَ ونعملَ على إنقاذِ ما تبقى ومن بقيَ هنا .
رسالتي هذه هي الفرصةُ الأخيرةُ ..
الحياةُ لا تقدّمْ رسائلَ إعتذارٍ لأحدٍ ، يبدو أنّكَ فعلْتَ ما بوسعِكَ ، ولكن ما بوسعِكَ لم يكن ْ كافياً ،
سيّدي الرّئيس ..
المقاومةُ تليقُ بكَ أكثر منَ الإنهزامِ .أين نحنُ الآنَ في القاعِ نحو جهّنم؟ جيدٌ لن نسقطَ ونخسرَ أكثر .

أكتب السّطورِ الباقيةِ في عمرِ وطنٍ.. وقّعِ النّهايةَ .. إنتصرْ للبنانَ وشعبِه وثورتِه .
أكتبِ التاريخَ .. نحنُ أحياءٌ باقون وللحلُمِ بقيّة .
سيّدي الرّئيس..
لا تُفلِتِ الوطنَ، إذا ضاعَ ..لن يكونَ هناك وطن ٌ لنا بديلاً .

 

https://www.facebook.com/newlebanese.org/posts/331318534964104

شاهد أيضاً

مقابلة محمد البخيتي مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني رانيا عبد الخالق

مقابلة محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني …