وهم الوحدة الوطنية وحقيقة سياسة الترقيع!

 

نأمل أن يكون مشهد الوحدة الوطنية في ليل ١١ حزيران حقيقيا وليس فصلا من فصول السياسة الخادعة.

“وهم الوحدة الوطنية وحقيقة سياسة الترقيع!”
نعمت كريدلي
اللبنانيون الجدد

بعد نيل حكومة حسان دياب الثقة من قبل جماعة ٨ آذار وإكمال النصاب في جلسة نيل الثقة من قبل جماعة ١٤ آذار لمباركة هذه الحكومة بشكل تكتيكي ” متلبنن”، انحدرت الأوضاع الاقتصادية في لبنان من شفير الهاوية إلى قعر المستنقعات الاقتصادية الراكدة. إذ أن المؤشرات الاقتصادية تظهر أن سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في تدحرج مستمر إلى ما بعد القعر.

لقد وعدت الحكومة الحالية بتنفيذ خطة اقتصادية تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، لكن سلاسل التبعية للأحزاب المقنعة بهيئة سوار اختصاصيين حالت دون مواجهة التحديات وتأمين الحد الأدنى من العيش الكريم للشعب اللبناني. إن الوضع المأساوي الذي يمر به لبنان ليس نتيجة إخفاقات هذه الحكومة الحالية فقط، بل هو أيضا حصاد عقود من المحاصصة والصفقات المشبوهة وهدر المال العام وقوننة نهبه. لكن هذه الحكومة أتت نتيجة انتفاضة ١٧ تشرين الشعبية التي طالبت بإصلاحات جذرية وإتلاف نظام الطوائف والمحاصصة. لقد غرقت هذه الحكومة بنرجسية الإنجازات الوهمية وانجرفت في تيارات التعيينات والمحسوبيات فاستحقت ” لا ثقة” الثوار الأحرار منذ اللحظة الأولى لتشكيلها.

في المقلب الآخر من المشهد اللبناني، نلاحظ أن نار الثورة قد خمدت بعد عدة أشهر من اشتعالها وأصيبت بما أسميه ” بالرضوخ لتدجين وتأبين ذكرى الانتفاضة”. وكأن معظم الشعب اللبناني رفع راية الاستسلام وقرر إعطاء جلاديه شهادة حسن سلوك رغم كل أعمال الشغب التي مارسوها بحقه.وقد زاد الطين بلة وصول جائحة كورونا إلى ديارنا التي لطالما استضافت كل أنواع الكوارث،وهل يوجد في العالم دولة مضيافة أكثر من دولتنا؟! تراكمت كل هذه العوامل بالإضافة إلى الضغوطات الخارجية على الحكومة المدعومة من فريق سياسي متورط بصراعات إقليمية وضغوطات داخلية على الثورة من فريق سياسي آخر متورط بالتسلق على أكتاف الثوار الأحرار وهو جزء لا يتجزأ من منظومة الفساد التي يدعي سعيه لمحاربتها. بين فريق متسلق وفريق منغلق تأرجحت جمرات الثورة وتبعثرت في خنادق الأهداف السياسية الضيقة التي اقتصرت على إما نزع السلاح أو استنزاف الشعب لجني مزيد من الأرباح.وقد ظهرت عوارض هذا التشرذم في الداخل اللبناني في ٦ حزيران عندما حاول أنصار فريقي آذار إرسال رياح النعرات الطائفية عل جمرات الثورة تتحول إلى نار الفتنة وينشغل اللبنانيون مجددا بلعبة الهوية والحواجز الملعونة، وحسب ذلك المخطط الشيطاني يتم التوقف عن المطالبة باستقلالية القضاء واسترداد الأموال المنهوبة وتغيير النظام الطائفي.

لحسن الحظ لم تنجح رياح الفتنة وشد العصب الطائفي في إشعال الحرب الأهلية التي يطمح إليها زعماء الأحزاب الطائفية ليستعيدوا مكانتهم وهيبتهم من جديد. بل على العكس هبت نسائم الانتفاضة الشعبية في ليل ١١ حزيران والتي تحمل معها غبارا سياسيا مشبوها يحاول تغليف أسباب التدهور الاقتصادي بضبابية المصرف المركزي وتعليب أفكارا ثورية جاهزة تجنبه الوقوع في دائرة الاتهام بالفساد الذي عصف بكل قطاعات الدولة.وهنا على كل متابع للتطورات التي تجري في لبنان أن يطرح الأسئلة التالية: هل فعلا انضم بعض أتباع السلطة إلى التظاهرات مساء ١١ حزيران لأن الدولار لف حباله على أعناق أطفالهم ومستقبلهم أم أنها محاولة جديدة لتوجيه أنظار اللبنانيين على زاوية واحدة من الفساد وهي المصرف المركزي والتي لطالما هرعوا إليها لتسهيل قروضهم وتمرير صفقاتهم لا وبل صوتوا لها وحرصوا على بقاء منظومة المصارف وإدارة المصرف المركزي؟! هل اقتنعوا أن الواجهة الحريرية ضرورية لضخ سيول عربية وأجنبية في الداخل اللبناني خاصة بعد العقوبات والحصار الغربي وإدراج الدعم الحزبي لهذه الحكومة ضمن لائحة الإرهاب؟! كيف سيتصرف الثوار الأحرار الذين ناضلوا ولا زالوا يناضلون لإسقاط منظومة الفساد والطائفية بقطبيها الموالي والمعارض إذا تم إسقاط حكومة حسان دياب وإعادة الوجه الحريري المألوف أو البهائي الموضوع على رفوف التعيينات المعلبة؟!

ومن هذا المنطلق، يجب على الثورة المستقلة التي تسعى إلى محاربة الفساد والقضاء على النظام الطائفي أن توحد صفوفها وتحدد أهدافها وتضع خطة استراتيجية بعيدة المدى يتم تنفيذها على مراحل وليس دفعة واحدة. وهذه الخطة عليها أن تبدأ بتصويب سهامها الثورية نحو كل مراكز القرار والسلطة ( مجلس نيابي، حكومة، رئاسة الجمهورية، القضاء،المصرف المركزي والمصارف،بالإضافة إلى الإعلام) لتحقق الهدف الأول وهو الاستقرار الاقتصادي الذي سيمهد لها الطريق للوصول إلى بر أمان الدولة المدنية العادلة. وعلى الثوار الأحرار أن يدركوا أن الدولة اللبنانية لم تستطع يوما أن تجد حلولا جذرية لمشكلة واحدة، بل اتبعت سياسة الترقيع وكانت تكلفة الرقعة الواحدة انهيار جيل بأكمله. وهذه الحكومة لم تختلف كثيرا عن سابقاتها في محاولة تجميل وجه الدولة الذي أتلفته حرائق الحروب وازدواجية الدروب.

في النهاية، نأمل أن يكون مشهد الوحدة الوطنية في ليل ١١ حزيران حقيقيا وليس فصلا من فصول السياسة الخادعة. ونأمل أن يكون الجوع حافزا لتوحيد اللبنانيين وليس قناعا تختبئ خلفه نوايا سياسية خبيثة لإعادة الوقوع في فخ تشكيل حكومة ” الوحدة الوطنية” التي بدورها ستستقطب الأحزاب السياسية المعادية لبعضها البعض وتدخل الشعب اللبناني في دوامة المناكفات والكيديات السياسية من جديد. فالتاريخ يعيد نفسه لأن الإنسان لا يقرأه جيدا!

 

تجده على الـ facebook

شاهد أيضاً

مقابلة محمد البخيتي مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني رانيا عبد الخالق

مقابلة محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني …