وفجأةً، صمَت كلُّ شيء،
د. جوزف رحمة
اللبنانيون الجدد
وفجأةً، صمَت كلُّ شيء،
ضجيج المناسبات والمؤتمرات والإجتماعات والطائرات والمقاهي، جلبة الشركات والمعامل وأسواق البورصة ومراكز الإقتصاد والأمن والتجارة والسياسة، أشكال التباهي والتعالي والكبرياء والزعامة وأنهار النفاق.. كلّها صمَتت.
رسالةٌ صغيرة غير مرئيّة جعلت كل العالم يصمت.. كلّ العالم! الغني والفقير، المثقّف والجاهل، الإجتماعي والمرفوض، الشجاع والجبان، المتعلّم والأمّي، الباني وسارق البناء، أصحاب المواكب المؤلّلة والمدجّجة، الملك وجيشه، رجال المال والذهب الأسوَد، أصحاب الميداليات والأوسمة والألقاب والنجوم، وأصحاب السيادة والفخامة والمعالي والسعادة.. صمتوا جميعاً.
عطسةٌ أخضعَت معظم البشرية للحجِر الإلزامي، هذه البشرية التي تقدّمت في العِلم وتراجعت في الإنسانية. ها قد بدأت تدفع الثمن بعد أن أقحَمت السياسة في الطبّ والمنافسَة التجاريَّة في الصحة والإنتقام في الأبحاث، وبعد أن كَثُرت فيها المخلوقات التي تُناطح الله، وكَثُر فيها أصحاب الثروة بلا عمل والمتعة بلا ضمير، والإقتصاد بلا أخلاق والحكم بلا عدل، والسياسة بلا مبدأ والدين بلا تضحية.
فقد أصبحنا نعيش في زمن نصغي فيه للتافه فقط لأنه مشهور، ونجد الإنسان الساذج يهتم به الجميع بين الحضور، ونجد شاعر بلا شعور، ونجد ملتزم بلا ثقافة، وآخر كاتب بلا قلم.
نحن والعالم اليوم كالذي يمشي في حقل ألغام ويحارب ويقاتل بعد نفاذ الذخيرة. فلَم يبقى لنا سوى الأمل، الأمل بغدٍ قريب نخلع فيه الكمامات والقفازات ونغلق وحدات العزل، ونستمع إلى تكبير المساجد وقرع أجراس الكنائس، وصدْحِ موسيقى الإنتصار.
يومها سنحتفل بنَصبِ تمثالٍ كبير في ساحات الأرض الواسعة، يضمّ طبيباً معالجاً ومزارعاً مثابراً وجندياً مجاهداً ومعلّماً صانع أجيال. يومها، العالم بأجمعه سوف يحتفل.
رابط المقال على صفحة ال facebook