ألمقالُ الّذي لم يُنشر ْ

ألمقالُ الّذي لم يُنشر ْ
لمن سأعتذر ؟ لكم ؟ لنفسي ؟ لوطني؟لضحايا الاغتيالاتِ والتّفجيراتِ؟
للجائعينَ والمتألّمينَ والّذين هُجّروا أو دفنوا تحتَ التّراب؟
لمن سأقدّمُ اعتذاري ، لوجعِ ودموعِ الأمّهات الثكالى ؟
لضحايا تفلّتِ السّلاحِ وغيابِ العدالةِ؟ للمساجين في زنزاناتِهم أو للعالقين في جحيمِ هذا الوطنِ والشّرقِ المنكوبِ والمظلمِ والحاقد؟
إخترتُ الصّمتَ وعدمَ نشرِ المقالِ، أعتذرُ… ففي صمتي ألفُ اعتذارٍ وغصّة .
مقالٌ ممزّقٌ في القلبِ يحرقُ و مقالٌ في العلنِ يجمّلُ الكلامَ ويُخفي الحقيقةَ والصّرخةَ بين النقطةِ والفاصلةِ والسّطرِ والكلمة .
غادة المرّ
اللّبنانيّون الجُدد
متى تصبحُ كلماتُنا رصاصاً تقتلُ أعداءَ لبنانَ؟
متى تُسدلُ السّتارةُ على أبشعِ مسرحيّةٍ نعيشُها ،ولا يُقتلُ البطلُ ؛ ويموتُ الأشرارُ ؟
اليوم َ ،كتبتُ مقالاً ومزّقته ،لم يكن صالحاً للنشرِ ، في هذه الظّروفِ، نصحوني بعدمِ نشره، لأنَّ في وطني، الكلمةَ الحرّةَ والجريئةَ والرأيَ المخالفَ ،ثمنُه رصاصاتٍ في الرّأسِ أو تفجيراً ينقلُكَ لسفرةٍ طويلةٍ دون عودةٍ . ولأنَّ الكلمةَ الحرّةَ تجرحُ وتقتلُ وتفجّرُ كاتبها.
ممنوعٌ أن نخالفَ أو نقولَ الحقَّ والحقيقةَ … ممنوعٌ أن نعارضَ كي لا نُغتالَ وتقتلُنا إسرائيلَ .
متى نكتبُ بحرّيةٍ ونعارضُ بشرفٍ ونكونُ أحراراً دون أن يُسكتنا كاتمٌ للصّوتِ ورصاصةٌ؟
متى نحلمُ ونمشي الطّريقَ بوضْحِ النّهارِ، فتتحولُ الإنتكاساتُ والخيباتُ نصراً مدوّياً ولا تُغتالُ شمسُ الحرّيةِ والحقيقةِ ؟ فقط، يُغتالُ أعداءُالسّلامِ وأعداءُ وطني لبنانَ .
أحلامُنا مبددّةٌ بوهمِ الذّهابِ إلى هناكَ، والرّكضِ وراءَ أحلامٍ وأمنياتٍ بددّها القدرُ والظّلمُ .
يا لها من خدعةٍ برّاقةٍ بألفِ بريقٍ وبريق.
حين كانتْ تُمطرُ، كان الوجعُ يذهبُ في ذاكَ الإتّجاهِ،كنتُ أخافُ أن يذهبَ بعيداً ويضيعُ في الزّحامِ حلُمُ وطنٍ لن يأتي قريباً .
يا لهذا الطّريقِ الشّاقِ والمتعثّرِ ، طريقُ الثّورةِ في هذا الشّرقِ اللّعينِ والمنكوب بحكوماتٍ وحُكّامٍ لم يرحموا شعوبهم .
يا لهذا الطّريقِ الّذي سلكناهُ في السّابعِ عشر من تشرينَ… طريقٌ محفوفٌ بالأخطارِ والخيباتِ والنّكساتِ المدمّرة!
الطّرقاتُ في وطني هي الأخرى، لم تعدْ تكترثُ لدموعِنا ونضالنا ومآسينا.
اليومَ سألتُ الطّريقَ عن خُطانا المتعثّرةِ… لكنّه لا يجيبُ .
اليومَ مشيتُ وحيدةً،بعدَ تاريخٍ من النّضالِ والأملِ والفرحِ والكثيرِ من الحنين؛ مشيتُ وسألتُ كلَّ الطّرقاتِ ،الّتي تؤدّي إليكَ يا وطني، هي الأخرى لم تعدْ تكترثُ ، تضعُ يدها في جيبِها ، غير ُ مباليةٍ بقصائدَ حزينةٍ، تُصفّرُ لحناً مرّاً ممزوجاً بالدّموعِ والدّمِ الّذي سالَ منذُ عقدٍ وما زالَ يروي التّرابَ .
تُصفّرُ وهي تقضُمُ قلبها وقلوبنا المنهكةِ من التّعبِ والحزنِ والإحباطِ.
قبورنا تشرّدتْ في تلك الجّهاتِ المتجهّمةِ والفاجرة.
كنا نحلمُ بوطنٍ جميلٍ ومستقبلٍ واعدٍ وزاهر.لكنّه لا عمرَ يكفي كي تخرجَ الضّحكاتُ القديمةُ وتَتحقّقُ الأحلامُ الورديّةُ.
في الصّباحاتِ الباردةِ ..نخبزُ أحلامَنا ساخنةً ،لندفئَ قلوبَنا المتجمّدةَ والمنهكةَ من أوجاعِ الوطنِ ومآسيه.
وكلُّ جريمتِه ،موقعهُ الجُغرافيُّ المشؤومُ والمقيتُ ،يدهسهُ صراعُ الجبابرةِ وأطماعُ الدُولِ والقادة.
متى نصبحُ على وطنٍ حرٍّ، سيّدٍ ومستقلٍّ.وعلى دولةٍ قويّةٍ ،مدنيّةٍ ومتمدّنةٍ؟
متى تنقلبُ الأحزانُ فرحاً والشّرُ خيراً وانتصاراتٍ ملوّنةً بألوانِ قوسِ قزحٍ بعد العاصفة؟
متى نسترجعُ الوطنَ المسروقَ والحلُمَ المغيّبَ وننتصرُ؟
كيفَ قالوا لنا أنَّ الثورةَ المحقّةَ تنتصرُ؟ ونحن ثورةُ الحقِّ .
كيفَ قالوا لنا اذا ما الشّعبُ يوماً أرادَ الحياةَ ،فلا بدَّ الليلِ أن ينجلي ، ولا بدَّ للقيدِ أن ينكسر!
نحن أردنا الحياةَ الحرةَ والكريمةَ… فلا الليلُ انجلى ولا القيدُ انكسر.
كيف قالوا لنا أنَّ الثورةَ تولدُ من رحِمِ الأحزانِ… والحزنُ في وطني تكدّسَ في الطّرقاتِ والبيوتِ أطناناً؟
كيفَ قالوا لا تخافوا فالخيرُ أخيراً ينتصرُ ؟ونحنُ بلعنا الشّرُ واختنقنا من الظلم والقمعِ!
كيفَ قالوا : وللحريّةِ بابٌ، بكلِّ يدٍ مضرّجةٍ بالدّماءِ يُقرعُ وينتصرُ؟
ونحنُ ..غدتْ طرقاتُنا تسبحُ في أنهرٍ من الدّمِ وغصّتْ بقوافل الشّهداءِ !
كيف أوهمونا أنّ الثّورةَ تنتصرُ؟ونحن نبتلعُ الإحباطاتِ ونصارعُ القمعَ والفجورَ!
كيف كذبوا علينا وأوهمونا أن الدّستورَ يحمي حياةَ المواطنِ وأملاكه وحريَةَ التعبيرِ ورسالةَ الفكرِ ؟
ونحن مشاريعَ شهداءِ الفكرِ والكلمةِ الحرّةِ وأهدافاً لآلةِ القتلِ والإجرامِ !
متى تصبحُ كلماتُنا بندقيةً وتغتالُ كلَّ أعداءِ الوطنِ والحريّةِ ،وتُسدَلُ السّتارةُ على أبشعِ مسرحيّةٍ هزليّةٍ قاتلةٍ، عاشها شعبٌ يوماً في تاريخِ البشريّة ؟
لبنانُ اليومَ ليسَ بخيرٍ …نحن كذلكَ .
أيّها الثّوارُ … عودوا إلى السّاحاتِ وقاوموا ،لم يعدْ لدينا خياراً أخر َ سوى الموتِ ذُلاً واغتيالاً.
لم يعدْ لدينا ترفَ الوقتِ ،لن ينقذَنا أحدٌ غيرَ ثورتِنا ونضالِنا وثباتِنا .

 

رابط الخبر على صفحة ال facebook

شاهد أيضاً

مقابلة محمد البخيتي مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني رانيا عبد الخالق

مقابلة محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني …