تقسيمات على وتر الوطن
عمّار الحيدري
اللبنانيون الجدد
جريدة النهار
يقول المفكر الفرنسي إتييان دو لا بواسييه في كتابه ” العبودية الطوعية ” :
( عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتواءم مع الإستبداد، ويظهر فيه ما يمكن أن نسميه ‘ المواطن المستقر ‘).
في أيامنا هذه يعيش المواطن المستقر في عالم خاص به
وتنحصر أهتماماته في ثلاثة أشياء
الدين
لقمة العيش
الرياضة
فالدين عند المواطن المستقر لاعلاقة له بالحق والعدل،
وإنما هو مجرد أداء للطقوس واستيفاء للشكل، لا ينصرف غالباً للسلوك ..
فالذين يمارسون بلا حرج الكذب والنفاق والرشوة، يحسون بالذنب فقط إذا فاتتهم إحدى الصلوات !
وهذا المواطن لا يدافع عن دينه إلا إذا تأكد أنه لن يصيبه أذى من ذلك…
فقد يستشيط غضباً ضد الدول التى تبيح جواز المثليين بحجة ان ذلك ضد إرادة الله.
لكنه لا يفتح فمه بكلمة مهما بلغ عدد المعتقلين في بلاده ظلما وعدد الذين ماتوا من التعذيب!
ويفعل الفاحشة والفساد فى بلاده جهاراً وبعذ ذلك يحمد الله !!
لقد كان خطأ (العرب) التاريخي منذ الفتنة الكبرى وحتى اليوم، وربما حتى يوم القيامة هو اللعب بالدين في ملعب السياسة، وتلك الخلطة السامة والقاتلة بين الدين والسياسة، وجعل الدين عربة يجرها ويوجهها حصان السياسة. والنتيجة دائماً هي عدم النتيجة، والنتيجة أيضاً هي أننا لم نحسن الدين ولم نحسن السياسة. والأخطر من ذلك كله مبدأ أو هو مذهب عربي خالص، وأعني به تحريك الدين وتثبيت السياسة، بمعنى أن المبادئ والنصوص الدينية تتحرَّك وتتغير وتتبدل لصالح الثبات أو الموت أو التحجر السياسي. فنظل نهتف بشعارات سياسية ثابتة وتجاوزها الزمن ونوظف الدين لخدمتها، وبذلك أصبح الدين بحكم خدمته وخضوعه للسياسة مذاهب ومجموعات وجماعات ومنظمات فسيفسائية لا ترى حتى تحت المجهر – واختفت تماماً الاتهامات التي كانت سياسية مثل: الخيانة، والعمالة، والرجعية، والانهزامية، وبيع القضية، والمزايدة لتحل محلها اتهامات دينية بحتة، مثل: التكفير، والمروق، والردة، والزندقة، والروافض، وغير ذلك من قاموس الاتهامات الدينية الجاهزة
لقمة العيش هي الركن الثاني لحياة المواطن المستقر..
فهو لا يعبأ اطلاقا بحقوقه السياسية ويعمل فقط من أجل تربية أطفاله حتى يكبروا .. فيزوج البنات ويشغل أولاده ثم يقرأ فى الكتب المقدسة ويخدم فى بيت الله حسن الختام.
كشفت دراسة أعدتها لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (إسكوا) عن تضاعف نسبة الفقراء من سكان لبنان لتصل إلى 55% عام 2020، بعد أن كانت 28% في 2019، فضلا عن ارتفاع نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع بـ3 أضعاف من 8 إلى 23% خلال الفترة نفسها.
وحسب وكالات الأنباء، فإن الدراسة التي أعدتها منظمة الإسكوا ذكرت أن الانفجار الهائل في مرفأ بيروت، والتزايد المتسارع في أعداد الإصابات بفيروس كورونا، يشلّان لبنان الذي يعاني أصلا من آثار صدمات متداخلة أنهكت اقتصاده وتسببت في قفزة غير مسبوقة في معدلات الفقر.
وأشارت الدراسة إلى أن العدد الإجمالي للفقراء من اللبنانيين أصبح يفوق 2.7 مليون شخص، حسب خط الفقر الأعلى (أي عدد الذين يعيشون على أقل من 14 دولارا في اليوم)، وأن هذا يعني عمليا تآكل الطبقة الوسطى بشكل كبير، وانخفاض نسبة ذوي الدخل المتوسط إلى أقل من 40% من السكان.
وأكدت أن فئة الميسورين ليست بمنأى عن الصدمات، حيث تقلصت إلى ثلث حجمها هي أيضا، من 15% في 2019 إلى 5% في 2020.
وتشير الدراسات إلى أن 28% من اللبنانيين هم من الفقراء، أي الذين لا يبلغ مدخولهم 3.84 دولار يوميا للفرد الواحد، وهؤلاء يعتبرون الأكثر فقرا، وهذه الفئة نسبتها 8% من إجمالي السكان، يعني 20% فقراء و8% هم الأكثر فقرا أي أن دخلهم متدن بشكل كبير مقارنة مع حاجاتهم المعيشية
لقد تحول أمراء الحرب السابقين منذ نهاية الحرب الأهلية قبل ثلاثين عامًا إلى قادة سياسيين. في ظل غياب نقد ذاتي لتلك المرحلة الداكنة من تاريخ لبنان، من أجل ميلاد وعي جماعي جديد. وبدلا من ذلك تم إصدار عفو جماعي على مجرمي الحرب وباتت ذكريات العنف وتمجيد الشهداء مصدر شرعية سياسية ودينية لاستمرار النخب في الحفاظ على امتيازاتها، حيث استغلت مواقعها للاغتناء على حساب الصالح العام. في هذا النظام تتعهد القيادات السياسية بحماية أفراد طائفتها من خطر “الطوائف الأخرى” بل وتعد بوظائف عمل كما تدفع المال لشراء الأصوات الانتخابية، نظام فساد يعمل في واضحِ النهار ودون خجل في ظل ضعف مؤسسات الدولة
أما في الرياضة، فيجد المواطن المستقر تعويضاً له عن أشياء حرم منها في حياته اليومية..
فكرة القدم تنسيه همومه وتحقق له العدالة التي فقدها..
فخلال 90 دقيقة تخضع هذه اللعبة لقواعد واضحة عادلة تطبق على الجميع.
المواطن المستقر هو العائق الحقيقي أمام كل تقدم ممكن ..
ولن يتحقق التغيير إلا عندما يخرج هذا المواطن من عالمه الضيق .. ويتأكد أن ثمن السكوت على الاستبداد أفدح بكثير من عواقب الوقوف ضده.