طبولُ الحربِ الباردةِ… تُقرعُ
إتّفاقٌ صينيٌّ – إيرانيٌّ يعلنُ حرباً باردةً مفتوحةً على كلِّ الاحتمالاتِ والتّطوّراتِ والتّغيراتِ.
هل يكونُ نهايةَ عهدِ زعامةِ وقيادةِ الولاياتِ المتّحدةِ للعالمِ، ويُتوّجُ بذلك التنّين ُالصّينيُّ بديلاً لها؟
أم سيؤسّسُ هذا الاتّفاقُ لإسقاطِ النّظامِ الإيرانيِّ، وحلولِ النّظامِ العلمانيِّ مكانه؟
بدأتِ الحربُ الباردةُ تحطُّ أوزارَها، وبدأتْ ملامحُ الحقبةِ المقبلةِ ترسمُ ملامحَها ومحاورها.
إتفاقٌ صينيٌّ – إيرانيٌّ، بدأتْ تتكشّفُ معه خيوطُ وملامحُ الصّراعِ الباردِ حيناً والسّاخنِ
أحياناً، على وقعِ غفوةِ الإدارةِ الأميركيّةِ الّتي دخلَتْ في سُباتٍ عميقٍ مع وصولِ جو بايدن
إلى البيتِ الأبيض، وتباطئها في حلِّ الملفّاتِ السّاخنةِ في الشّرقِ الأوسطِ، قابلَه انقضاضُ التنّينِ
الصّينيِّ واغتنامِ تخبّطِ النّظامِ الإيرانيِّ في مستنقعِ العزلةِ الدّوليّةِ والعقوباتِ الأميركيّةِ الخانقةِ،
وتدهورِ العملةِ الوطنيّةِ وتفشّي الكورونا.
إرتمتْ طهرانُ في أحضانِ المنقذِ الصّينيِّ الّذي انتهزَ فرصةً ذهبيّةً لتوجيهِ ضربةٍ موجعةٍ لخصومهِ، وعلى رأسِهم الولايات ِالمتّحدةِ الأميركيّةِ.
منذُ العامِ الماضي والعالمُ يعيشُ حروباً باردةً مخفيّةً، تماهتْ وتجلّتْ في أماكنَ عدّةٍ، كما اتّخذَتْ
أشكالاً وأساليبَ مبتكرةً وبأسلحةٍ بيولوجيّةٍ واقتصاديّةٍ.
كان عنوانُها الأبرزَ جائحةَ covid -19 والـ5G وحروباً اقتصاديّةً طالتِ الصّراعَ على النفطِ والغاز والماءِ والصّفقاتِ التّجاريّةِ والأسلحةِ.
1- الإتفاقُ الصّينيُّ – الإيرانيُّ
بعدَ مرحلةٍ طويلةٍ من المباحثاتِ والمحادثاتِ بين بكين وطهران، تمَّ توقيعُ اتّفاقِ تعاونٍ وتنسيقٍ مشتركٍ، لربعِ قرنٍ. اتّفاقٌ يشملُ قطاعاتٍ اقتصاديةً ودفاعيّةً ودبلوماسيّةً. أهمُّ بنوده:
أولاً: تتعهّدُ الصّين بشراءِ كمّياتٍ هائلةٍ من النّفطِ والغازِ الإيرانيِّ. وبذلك تتحدَّى واشنطن وتكسرُ الحصارَ الاقتصاديَّ الأميركيَّ.
ثانياً: تتعهّدُ الصّين بتنفيذِ استثماراتٍ في إيران بحوالي 400 مليار دولار أميركيّ. ويتمُّ ربطُ العملةِ الإيرانيّةِ بالعملةِ الصّينيّةِ.
ثالثاً: تمدُّ الصّين شبكةَ الإنترنت التّابعةَ لها على كافةِ الأراضي الإيرانيّةِ وتحميها من الخروقاتِ
ومن الهجوماتِ السيبرانيّة.
رابعاً: يتمُّ تبادلُ معلوماتٍ استخباراتيّةٍ بين الدّولتين.
خامساً: يتمُّ تعزيزُ التّنسيقِ الدّبلوماسيِّ بين الطّرفين دوليّاً وفي الأممِ المتّحدةِ، يساندُه الفيتو
الّرّوسيُّ، ويتمُّ بذلك، وضعُ طهران تحتَ المظلّةِ الدّبلوماسيّةِ الرّوسيّةِ -الصّينيّةِ.
سادساً: وهو الأهمُّ. إقامةُ تعاونٍ عسكريٍّ صينيٍّ – إيرانيٍّ، يشملُ تصديرَ أسلحةٍ متطورةٍ إلى طهران، ويشملُ طائراتٍ حربيّةً ودبّاباتٍ وصواريخَ، بالإضافةِ إلى أعتدةٍ وأنظمةٍ إلكترونيّةٍ متطوّرةٍ. تترافقُ مع تحديثِ المطاراتِ والقواعدَ العسكريّةِ الإيرانيّةِ والموانئ. ويتطلّبُ ذلك تواجداً عسكرياً صينيّاً على الأرضِ.
2 ـ نتائج الاتّفاقِ..استراتجيّاً
إنَّ نتائجَ هذا الاتّفاقِ الزّلزالِ كبيرةٌ على الصّعيدين الإقليميِّ والدّوليِّ. ولعلَّ المعادلةَ بسيطةٌ جداً.
الطّاقةُ الرّخيصةُ لبكين، مقابلَ استمرارِ النّظامِ الإيرانيِّ. أضفْ إليه تمدّد النّفوذِ الصّينيِّ باتجاهِ الخليجِ والمتوسّطِ. ستصلُ الصّين على متنِ هذه المعاهدةِ ولكّنها بالمقابلِ ستعرضُ على دولِ الخليجِ عروضاً مغريةً للتهدئةِ والتّعاونِ الاقتصاديِّ. ستعرضُ سلسلةَ اتّفاقياتٍ اقتصاديّةٍ وتجاريّةٍ حولَ النّفطِ والغازِ والنّقلِ البحريِّ، وجعلَ الخليجِ منطقةً آمنةً للجميعِ.
وكأنَّ العملاقَ الأصفرَ..الصّين، تقولُ للجزيرةِ العربيّةِ، أنَّها ستحمي إيران ولكنّها بالمقابلِ، ستحمي العربَ من طهران أيضاً.
3- أميركا.. الخاسرُ الأكبرُ إلاَّ …
لعلَّ الخاسرَ الأكبرَ من تمدّدِ العملاقِ الصّينيِّ، هو واشنطن. لأنَّ الإدارةَ الأميركيّة، تلكّأتْ في معالجةِ التفلّتِ الإيرانيِّ في المنطقةِ العربيّةِ، منذ سقوطِ العراقِ وصدّام حسين. ولعلَّ ترددَّها وضعفَها في مواجهةِ الملفّاتِ السّاخنةِ في الشّرقِ الأوسطِ، من العراقِ إلى سوريا واليمن ولبنان، دفعَ بطهران إلى لارتماءِ بأحضانِ المنقذِ الصّينيِّ.
4 ـ أبرزُ المخاوفِ من فشلِ هذه المعاهدة.
1 ـ بعيداً عن الحماسةِ الممانعةِ، توجدُ عوائقٌ حقيقيّةٌ لجعلِ إيران قاعدةً تكنولوجيّةً صينيّةً في
الشّرقِ الأوسطِ.
2 ـ العلاقاتُ الصّينيّةُ – الإماراتيّةُ والسّعوديّةُ، على مستوى المصالحِ والمالِ،هي أقوى من تلك التي مع طهران.
3 ـ يحتاجُ هذا الاتّفاقُ إلى موافقةٍ خليجيّةٍ، نظراً لعمقِ العلاقاتِ والمصالح ِالاقتصاديّةِ التجاريّةِ بكين ودولِ الخليجِ.
4 ـ يحتاجُ أيضاً إلى موافقةٍ روسيّةٍ،على تحويلِ إيران واحة تكنولوجيّة صينيّة. فهذه نقطةٌ حسّاسةٌ تؤثّرُ على الوجودِ العسكريِّ الرّوسيِّ في سوريا، ورغبةِ موسكو بإخراجِ إيران من سوريا.
وتبقى العلاقاتُ الرّوسيّةُ – الصّينيةُ الاستراتجيّةُ، هي الأقوى.
5 ـ الوجودُ العسكريُّ على الأرض، يعرقلُ تنفيذَه تضاربُ واختلافُ النّظامين الصّينيِّ والإيرانيِّ. فالأخيرُ دينيٌّ متشدّدٌ، والأولُ علمانيٌّ.
ويبقى ردُّ فعلِ الولاياتِ المتّحدةِ الأميركيّةِ،على هذه الاتّفاقيّةِ الزّلزالِ، يقضّ مضجعَ بكين.
فهل ستعودُ واشنطن إلى سحبِ هذا الاتّفاقِ من التّداولِ وقطعِ الّطّريق على طهران، بإعادةِ فتحِ
قنواتِ الحوارِ والمباحثاتِ الأميركيّةِ -الصّينيّةِ، من تحتِ الطّاولةِ، فتعيدَ خلط الأوراقِ على
السّاحةِ في الشّرقِ الأوسطِ، على غرارِ نظريّةِ العصا أمِ الجزرة؟
هل يكون هذا الاتفاقُ، حصان طروادة صينياً ويؤسّسُ لإسقاطِ النّظامِ الدّينيِّ من السّياسةِ والاقتصادِ والجيشِ في إيران؟
لننتظر كيف ستتلقّفُ دولُ المنطقةِ، أوروبا، الولاياتُ المتّحدةُ الأميركيّة، إسرائيل، مصر، دول الخليج وروسيا، وقعَ هذه المعاهدة القنبلة.
وهل سيكتبُ لهذه المعاهدةُ الحياةَ وتصبحُ واقعاً ولا تبقى حبراً على ورقٍ؟