” ابتسامة أيقظت الغربة والغرابة في وطن قلبي ”
كثرة الأطفال في الشوارع يدل على ضبابية مستقبل الأطفال في المنازل
نعمت كريدلي
اللبنانيون الجدد
في حين أن الكثير يراهم مصدر إزعاج وخطر يهدد استقرار المألوف في النفوس، أراهم أنا في صورة تهز كيان الإنسانية من الجذور.. واقع الأطفال في الشوارع يشبه إلى حد بعيد واقعنا في تسول لقمة العيش من رموز منظومة الفساد. فنحن لسنا أفضل من أطفال الشوارع، بل أولئك الملائكة المسلوبون الإرادة والقيادة يرأسون عرش الكرامة ونحن نحتل المراتب الأخيرة. فهم يتسولون ولا يعلمون معنى التسول، ونحن نتسول مع سبق الاصرار والترصد. هم يحفرون على وجوهم ابتسامة كي يتسجدوا عطف المارة، أما نحن نجبر أولادنا على خلع الابتسامة بالقوة كي نلبسها لأولاد زعماء الطوائف. هم يتجولون في الشوارع، في الأزقة، على الأرصفة آملين قبل مغيب الشمس أن يتسرب بعض الغذاء إلى أمعائهم التي اعتادت على فضاء الصحراء؛ أما نحن نظن أن لدينا وجهة لمسار حياتنا وفي الحقيقة تسكننا عبثية الطائفية لدرجة جعلنا نتسكع في متاهة الطرقات التي رسمتها لنا المافيا السياسية فنبدأ حياتنا في منتصف الطريق وننهيها في منتصف طريق آخر.
ابتسامة تلك الطفلة اغتالت كل مألوف في داخلي وأيقظت حمم الغرابة والغربة في ضميري. يا لهول وقع هذه الابتسامة! فحتى ابتسامة الموناليزا لم تستطع أن تحفر خندقا من الغموض المؤلم في أعماقي كتلك الابتسامة. لماذا أصبح الفقر مقبولا، والجهل مألوفا، والجريمة فعلا متوقعا وعاديا؟! كيف وصلنا الى مرحلة تقبل الغرابة والنفور من أسئلة ضميرية تحفز الإجابة؟!
ألم يحن الوقت بعد يا بني البشر للنظر إلى أنفسنا وإلى الآخر كسلسلة متكاملة متناغمة وجودها مرتبط بوجود الآخر؟! ألم يحن الوقت بعد لاستخراج آبار العاطفة والرحمة والحكمة قبل النفط؟! ألم يحن الوقت بعد لنعي أن وضوح كثرة الأطفال في الشوارع يدل على ضبابية مستقبل الأطفال في المنازل؟! متى نتخلص من الشعور بالاستقرار الوهمي النابع من الأنانية الفردية وعجرفة مفهوم ” أنا ومن بعدي الطوفان”؟! إن لم تدركوا خطورة تشرد الابتسامات على الطرقات، لن تستطيعوا أن تنتشلوا أولادكم من أودية التيه وغربة المتاهات!