عندما يصرف الشعب مستقبله بورقة نقدية!

 

“عندما يصرف الشعب مستقبله بورقة نقدية!”
نعمت كريدلي
اللبنانيون الجدد

{فذكر إن نفعت الذكرى}
لقد بدأت أزمة الدولار تنهش جسد وطني المصاب ” بالتصلب الطائفي” قبل بزوغ فجر الثورة بثلاثة أشهر. وفي ذلك الوقت، بدأ تجار البناء والمواد الخام يتهامسون فيما بينهم عن تأرجح سعر صرف الليرة اللبنانية بين ١٧٥٠ ليرة و١٩٠٠ ليرة لبنانية. وعندما كنا نسألهم ” من يتلاعب بسعر الصرف؟” كانت إجابتهم تدور حول فلك الثقب الأسود الغني عن التعريف ” السوق السوداء!”

نتج حينها أزمة وقود وأزمة رغيف وكلنا نذكر كيف تهافت قسم من ” شعب لبنان الزعيم” على الأفران ومحطات الوقود كجرذان في نفق حالك أقصى طموحها شم فضلات الماشية. وبعدها بأيام زف إلينا خبر ضريبة الواتساب فانفجر الشارع اللبناني وطلب يد الثورة من الوطن، فوافق الوطن وبدأ التحضير لعرس الثورة.

وقبل متابعة سرد قصة العشق الممنوع، لا بد أن نستذكر ما حصل قبل سنتين من الخطوبة الوطنية. أعلنت الحكومة وقتها سياسة التقشف لأن العجز بات يرفرف في سماء الخزينة ويلوح للشعب اللبناني من قريب وبعيد والشعب بدوره كان يلوح له ويهتف باسمه. أما عن سياسة التقشف التي قررت حكومة سعد الحريري ” الوطنية” آنذاك أن تتبعها فتتلخص فيما يلي: عدم تناول وجبة الإفطار والغذاء في مجلس الوزراء والاكتفاء بالسندويشات للتوفير على خزينة الدولة. وهذه الخطوة الانقاذية الوطنية المشرفة اتبعها أيضا رئيس مجلس النواب نبيه بري آنذاك وفي كل حين.ووصلت أصداء التقشف في ذلك الوقت إلى حاكم مصرف لبنان الذي بدوره أشعل محرك العقل الاقتصادي وأوقف القروض التعليمية والسكنية المدعومة من مصرف لبنان.

بالعودة إلى قصة العرس الذي لم يكتمل، أبناء عم الوطن رفضوا العروس وعملوا ليل نهار على إطفاء شعلة القبضة. فمنهم من ساهم بقطع جذع الثورة بفأس الاتهامات بالعمالة والسفارات ومنهم من تسلق قبضتها وأرهق كاهلها فتهيأت للسقوط.أما أقرباء الثورة فكانوا يريدونها أن ترتدي فستان زفاف على قياس تشرذمهم تارة وأهدافهم القصيرة المدى تارة أخرى. والثورة والشعب ينزفان اشتياقا لبعضهما وإن كان صوت النزيف مدويا كشلال انفجر كلما لامس تراب لبنان لكن لا حياة لمن تنادي!

وبعد عدة أشهر على إلغاء العرس الوطني، تآخى الشعب العظيم لا ليس مع ضريبة الواتساب، بل إنه تآخى مع الضريبة على الرغيف وقتل الشريف؛ تآخى مع الضريبة على استنشاق الهواء وتأمل السماء؛ تآخى مع الضريبة على الطموح وبتر الأعضاء عوضا عن معالجة الجروح. لقد تآلف شعبي مع الغرابة واستغرب الثورة على العصابة!

لقد تجلت الأمور مع الوقت وبات بديهيا تآمر زعماء الطوائف والمافيا السياسية اللبنانية على الشعب اللبناني والتلاعب بمستقبله عبر دفن حاضره بمعول الدولار. لم تكتف مافيا زعماء الحرب الأهلية بالاتفاق مع مصرف لبنان والصرافين والسوق السوداء بحجز أموال الشعب في المصارف والاقتطاع الجبري منها وسحل القدرة الشرائية للمواطن واضمحلال سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار ليصل إلى ٨٠٠٠ ليرة فقط، بل ابتكرت هذه المافيا المحترمة بدعة تسليم التحويلات المالية من المغتربين بالليرة اللبنانية بسعر الصرف الذي يتناسب مع الربح الشيطاني في السوق السوداء_ ذلك السوق الذي تموله ” الأيادي البيضاء”_ وما أدراك ما الأيادي البيضاء!

هذا الحب الطاهر بين الثورة والشعب لم يسلم من الطعنات الخارجية والداخلية على حد سواء لكن طعنة ” بروتوس” كانت الأعنف والأخبث.لقد حان الوقت أن يستيقظ الشعب اللبناني من أكذوبة ” بيكفي أنك لبناني” ويعترف أمام نفسه أولا أنه ليس مركز انتباه العالم ويتقبل حقيقة أن الدول الشرقية والغربية ليست أمه ولا أخته ولا فتاة أحلامه، بل هي دول لها مصالحها الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية؛ ولن تقف إلى جانبه ” لسواد عيونه” بل لاستغلال ديونه. وعليه، يجب على اللبنانيين والدولة اللبنانية ألا تراعي إلا مصالحها وأن تسعى لتقوية اقتصادها الإنتاجي كي لا يقع الشعب اللبناني مجددا ضحية ورقة نقدية خضراء جعلته يابسا من الداخل والخارج وحرمته من عقد قرانه على أغلى عروس في الدنيا وهي الثورة!

 

تجده على الـ facebook

شاهد أيضاً

مقابلة محمد البخيتي مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني رانيا عبد الخالق

مقابلة محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني …