كي يحيا السوق

 

هذا المقال بقلم الست جاكلين ، وهي أم الثوار كما تحب أن نناديها ، المقال رائع جداً ويحمل معاني تاريخية ، قد لا نفهم بعضها نحن جيل الأحفاد ، لكنه وبالتأكيد هناك من سيشاركها تلك المشاعر.

الست جاكلين ليس لديها أي حساب في مواقع التواصل الإجتماعي لذا نقوم بقراءة تعليقاتكم لها من خلال التليفون ، أكتب لها شيء .

كي يحيا السوق

كم رسمت هذه القناطر هويّات الناس التي سكنت هنا أو مرّت.

عاش هؤلاء هنا في قناعة عيش وراحة بال، وإن عبروا فرؤوسهم مرفوعة تتأمل هذه القناطر فيما يعبرون من تحتها وفيما ينتصر الزمن عليهم، ولكنه لم يقدر على هذه الحنيات العمرانيّة.

ماذا لو تكلمت هذه القناطر؟ أتراها تتذكر أبو يعقوب الحلاق، الذي كان بين طرقة مقصّ وأخيه، يعنّ في باله نغم ، فيتناول البزق ليعزف عليه فذقن الزبون تنتظر، والدنيا بألف خير؟. أتراها تتذكر أفلام المساطيل الثلاثة وزورو والكشافة والهنود في سينما هوليود في يسار الصورة؟ أتراها تذكر مطانيوس باسيلي، صاحب البيت الواسع فوق القناطر الذي كان يوزّع الطعام أمام بيته لكلّ جائع في الحرب العالمية الأولى؟ ليتحوّل في الحرب العالمية الثانية الى مستشفى؟ أتراها تذكر المعلّم بشارة الذي كان يصبّ تماثيل الجفصين لموسم الميلاد؟ أتراها تذكر “الخال” الذي أدار سينما هوليوود بكراسيها الخشبية، قبل أن تغلق ويهاجر نجوم الشاشة الفضية الى الذاكرة، وينتهي صاحب مؤسسة تجارية؟ وماذا عن ريّس الصيادين جرجي وخبرته الطويلة في هويّة البحر وكرمه بأنواع سمكه؟ أتراها تذكر أيضا سامي، وميشال وأبو فؤاد، وقهوة أبو كابي، وأبو حسين بيّاع الكاتو، ومصبغة كليوباترة، وغيرهم.

هنا تتركّز أثار سوق الخراب الهندسيّة المتراكمة الذي دكّه السلطان قلاوون يوم دحر الفرنجة من طرابلس البحرية عام 1289م، فهنا نجد القناطر الإفرنجية والبيوت العربية والطريقة الهندسية العثمانيّة في دعم الشرفات بالخشب المسنود الى الحائط.

إنّ هذه المساحة الصغيرة هويّة من مرّ من هنا، في هذه المدينة البحرية، والمطلوب منذ زمن، واليوم، أن يعمد المعنيون ومهتمو الآثار والبلدية الى ترميم هذه البقعة وصيانتها، فهنا الأصول ، كما في بقع أخرى من سوق الخراب الممتد من هنا الى البوابة مرورا بالجامع العالي وغازي والحميدي.

يموت السوق اليوم، وتغلق محلاته بالهجرة، وبالنزوح ، وبالوضع الإقتصادي. من ينهضه من سقوطه؟ اعملوا كي لا يموت السوق ويضيع الدفتر الحيّ الأصيل ، لأنّه إذا ضاعت الأصول ضاع التاريخ.

 

 

رابط المقال على صفحة ال facebook

شاهد أيضاً

مقابلة محمد البخيتي مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني رانيا عبد الخالق

مقابلة محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله مع الصحافية الأمريكية من أصل لبناني …